الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: صيانة ثوابت الأمة
وعمل الإسلام ثالثًا على صيانة ثوابت الأمة لأن الأمة الإسلامية تعيش في إطار منهج تحددت معالمه، وفصلت حقائقه.
وأعداء الإسلام يعملون لهدم ثوابت المنهج، والإساءة إليه، وتشويه صورته ليتمكنوا من هدم كل ما تمثله الأمة من قيم وحياة ولذلك وجب حماية الإسلام مما يوجه إليه وذلك بحماية أمته.
إن منهج الله تعالى ينطلق من تعاليم الله، يقول الله تعالى:{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} 1.
ومن ثم وجب استمرار هذه الصبغة ليبقى المنهج على حقيقته التي جاء بها ووجب حينئذ منع أي دخيل يسيء للمنهج ولا يتوافق معه، وبذلك يعيش المجتمع بخصائصه الربانية.
لقد شرع الله الأذان للصلاة أسلوبًا وحيدًا للمسلمين ووجههم إلى الكعبة ليستقلوا بقبلتهم.
وميزهم بمعالم واضحة في حياتهم ومعايشهم، وبذلك برزت الأمة بخصائصها التي يحددها الله تعالى بقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} 2.
1 سورة البقرة: 138.
2 سورة آل عمران: 110.
3 سورة الفتح: 29.
4 سورة الفتح: 18.
وتستمر آيات القرآن تترى في وصف الجماعة المؤمنة الأولى التي كونها القرآن الكريم وكونتها السنة معه حتى كانت، وبحق، خير أمة ظهرت على الأرض.
وإن المرء ليتساءل عن سر تفوق هذا النموذج البشري وعن أسباب عجز المسلمين المعاصرين من أن يكونوا مثلهم مع استمرار القرآن وحفظه، وبقاء السنة وتدوينها.
إن الأمة الإسلامية التي كونها رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة مثالية رائدة تعاملت مع الواقع وتكونت من الناس، وتعاملت مع فطرة البشر مما يجعلها نموذجًا قابلا للتكوين في كل عصر ومصر لو حاول الناس تتبع خطاها، وسلوك الطريق الذي مرت فيه.
إن عوامل تأسيس الجماعة الأولى موجود حتى الآن، ولذلك نحتاج إلى معرفة الأسباب التي ساعدتهم على التكوين والتنشئة ولم تساعد سواهم أملا في الاحتذاء بهم والسير على طريقتهم.
يبدو والله أعلم أن أسباب استفادتهم تعود إلى ما يلي:
أ- إنهم حينما دخلوا في الإسلام تيقنوا الواقع وعلموا أن الإسلام بيعة منهم لربهم وهم طرف فيها، وعليهم بالإسلام أن يصدقوا الله فيما بايعوه به.
1 سورة الأنفال: 72.
2 سورة الأحزاب: 23.
ب- إنهم استقبلوا الوحي الكريم المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يليق به من تعظيم وتقديس فاهتموا به، ولم يوازنوا بينه وبين غيره ليتبينوا صدقه، وأحقيته، وإنما استقلوه موقنين بأنه الحق، وهو الخير وهو المصلحة ويكفي أنه من عند الله.
ج- إنهم أيقنوا حين إيمانهم أن الوحي نزل للتطبيق والعمل به، ولم ينزل لمجرد المعرفة والثقافة ومن هنا اقتصروا على التدرج في حفظه فكانوا يفهمون ويحفظون عشر آيات ولم يغادروها إلا بعد العمل بها، وتطبيق ما جاء فيها ولذلك كان أبو بكر يقوم المسلم بمقدار حفظه للقرآن لأن هذا يدل على مدى عمله وسلوكه.
د- إنهم بعد مجيء وحي الله التزموا به وتركوا ما عداه من ثقافات الأمم الأخرى ونظمها وأهملوا بصورة كلية كل ما كان في حياتهم الجاهلية، وهذا الموقف يصور النقلة العجيبة التي أحدثوها في واقعهم، ولقد كانوا يفعلون كل ما يأمرهم به الوحي مكتفين بالسؤال عنه: آلله أمر بهذا؟
فإذا علموا أنه من الله، فلا شيء معه وأهملوا حينئذ كل ما عداه.
لقد خلت الحياة الإسلامية الأولى من أي دخيل يعارضه الإسلام، مع أن نظمًا وآدابًا فارسية ورومانية وغيرها كانت قبل الإسلام ملء الزمان طولا وعرضًا، وكان العالم كله معجبًا بهم، ومقدرًا لهم يقلدهم، ويتبعهم.
نعم لم يلتفت المسلمون إلى ما يأتيهم من قبل الشرق أو الغرب، أو من هنا أو من هناك، لأن وحي الله يكفيهم وهم به أقوياء.
هـ- إنهم شعروا بعزة الإسلام، وبقدرة الله، وتيقنوا أن الله اختارهم بالإيمان لإنقاذ البشرية من عبادة البشر، والخضوع لغير الله تعالى، وجاهدوا لإزالة الطواغيت من على ظهر الأرض تكريمًا للإنسانية كلها.
وهذا التيقن يفسر لنا سر تضحياتهم بالنفس والنفيس حين ساحوا في الأرض مجاهدين في سبيل الله يبغون نشر دينه، وإحقاق الحق، وإقرار الأمن والسلام.
تلك أهم الأسباب التي ساعدت الأمة الإسلامية على الاستفادة بوحي الله تعالى تركت بذلك درسًا في الناس لمن يشاء أن يستقيم، ويسعد في الدنيا وفي الآخرة.
إن البناء الدقيق لأمة الإسلام استغرق من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتًا طويلا، وجهدًا شاقًا، ولكنه صلى الله عليه وسلم أتمه على أحسن حال، وقد تعرض صلى الله عليه وسلم خلال مرحلة البناء لمحاولة القتل، وحوصرت المدينة، وهاجمه سفهاء القبائل، واستعان صلى الله عليه وسلم بالصبر والتحمل والجهاد حتى أتم ما عمل له، ولم ينتقل إلى ربه سبحانه وتعالى إلا وقد تكونت الأمة الفتية، وانتشر الإسلام في الجزيرة العربية كلها، وتحققت حرية الدعاة، وأصبحت دعوة الإسلام محل تقدير واحترام، تسمع وتناقش، وتعيش واقع الحياة، وتتعامل مع الجميع في حسن وأمان.
وحين نرى حال المسلمين اليوم، وننظر في أمر الدعوة نلمس ضرورة وجود الأمة المؤمنة لمساندة الدعاة وتدعيم حركتهم بالعمل والسلوك.
إن الناس في العالم المعاصر ينظرون إلى المسلمين ويتأملون أحوالهم، ويتصورون أنهم صناعة الإسلام ونتائجه بمجرد تسميتهم بالمسلمين! وليس الأمر كذلك لأن المسلمين من فترة طويلة لا يعيشون الإسلام حقيقة، ولا يطبقون تعاليم الله على الوجه الصحيح.
وحين نبحث عن أهم الركائز المستفادة في سيرة رسول الله في المدينة فإني أرى أن أهم الركائز هو وجود الأمة المسلمة التي تحرك الدعاة، وتوجه حركتهم إلى الناس.
إن الأمم اليوم تتعامل فيما بينها بواسطة السفراء والمبعوثين الذين يمثلون الدول والحكومات ولذلك صار لهم دور، وعاشوا آمنين لأن من ورائهم دولهم.
إن الدنيا تتحرك كلها إذا أسيء لفرد من دولة أوروبية أو غيرها لأن من ورائها دولته، ويا حبذا لو تمتع الدعاة برعاية دولهم، ويا حبذا لو كانت الدول إسلامية قلبًا وقالبًا على قلب رجل واحد لتكون الأمة المرجوة، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر في صدق وشفافية.
إن العالم المعاصر يقر للدول العظمى بحقها في توجيه الدول الصغيرة، وتغيير مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق رؤيتها. بدعوى تحقيق تقدم ضاري وإنساني لهذه الدول، برغم ما في كل هذا من رغبة الاستعلاء والسيطرة والاستغلال.
إن هذا الواقع يعطي لصاحب الحق أن ينشر ما يتمتع به من الحق والخير للآخرين. وحين يكون القوي صاحب رسالة سامية يريد إفادة الناس بها متجردًا من أي غاية ذاتية، وبعيدًا عن أي مصلحة شخصية. حين يكون الأمر كذلك يرحب به الجميع.
إن الأمة الإسلامية ضرورة لنجاح الدعوة، وقاعدة لا بد منها لمساندة الحركة بالإسلام، وإيصاله إلى كل إنسان في الوجود.
وحين نؤمن بهذه الضرورة لا بد أن يتعاون الأفراد ويعمل الجميع لإيجاد هذه الأمة بالخصائص التي لا بد أن تنشط هذه الأمة في الأخذ بأسباب القوة المادية التي لا بد منها في عالم لا يعترف إلا بحقوق الأقوياء، ولا يهاب إلا القادرين.
إن القيم النبيلة تتحول في لسان الضعفاء إلى مظاهرة صوتية تحتج وتصيح بلا مجيب وتستغيث بلا مغيث، وربما عدها الأقوياء جماعة من المجانين.
وأول قوة الأمة يبدأ بتقوية الأفراد والجماعات الصغيرة، وهؤلاء مسئولون عن أنفسهم، فليقوي الفرد نفسه بالطاعة، والصدق، والعمل، والتجرد من الهوى، والتوجه في كل نشاطه لله، وعلى الأفراد أن لا يعبئوا بالمعوقات الطارئة، ولا ينتظروا أجرًا من مخلوق لأنهم يعملون لله، وينتظرون الأجر منه سبحانه وتعالى، وما عنده سبحانه لا يضيع أبدًا، وهو سبحانه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.