المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌رابعا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

ثم كانت حجة الوداع، ويقال لها: حجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة التمام، وقد أجمع صلى الله عليه وسلم الخروج في ذي القعدة سنة عشر من مهاجره وقد أسلمت جزيرة العرب ومن شاء الله من أهل اليمن، فصلى الظهر بمسجد المدينة أربعًا، وأذن في الناس بالحج، فقدم المدينة بشر كثير يريدون أن يأتموا برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعملوا بعمله، وسار من المدينة متدهنًا مترجلا يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، ومعه أزواجه، وأهل بيته، وعامة المهاجرين، فلما انتهى إليه اجتماع أصحابه والهدى دخل مسجد ذي الحليفة فصلى العصر ركعتين1، ثم خرج فدعا بالهدى فأشعره في الجانب الأيمن بيده ووجهه إلى القبلة، وقلده نعلين نعلين ثم ركب ناقته، فلما استوى بالبيداء أحرم2.

وساق مائة بدنة وأمر ناجية بن جندب أن يشعر ما فضل من البدن، واستعمله على الهدي، وكان مع ناجية بن جندب فتيان من أسلم، وكانوا يسوقونها سوقًا ويتبعون بها الرعي، وعليها الجلال، فقال ناجية بن جندب: يا رسول الله! أرأيت ما عطب منها كيف أصنع به؟ قال صلى الله عليه وسلم: تنحره وتلقى قلائده في دمه، ثم تضرب به صفحته اليمنى، ثم لا تأكل منه ولا أحد من أهل رفقتك.

وأمر من كان معه هدى أن يهل كما أهل، وسار وبين يديه وخلفه وعن يمينه وشماله أمم لا يحصون كثرة: كلهم قد قدموا ليأتموا به صلى الله عليه وسلم ويقال: كان معه تسعون ألفًا، ويقال: مائة وأربعة عشر ألفًا، ويقال: أكثر من ذلك.

1 صحيح البخاري كتاب الحج باب ما يلبس المحرم.

2 صحيح مسلم كتاب الحج باب تقليد الهدي.

ص: 666

ومر صلى الله عليه وسلم برجل يسوق بدنة، فقال:"اركبها، ويلك"!.

قال: إنها بدنة.

قال: "اركبها". وكان يأمر المشاة أن يركبوا على بدنهم.

وطيبته عائشة رضي الله عنها لإحرامه بيدها، وأحرمت وتطيبت، فلما كانوا بالقاحة سال من الصفرة على وجهها، فقال: ما أحسن لونك الآن يا شقيراء.

وكان يصلي بين مكة والمدينة ركعتين أمثالا لا يخاف إلا الله، فلما قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم سلم وقال:"أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا سفر".

وأصبح صلى الله عليه وسلم يوم الأحد بيلملم1، ثم راح فتعشى بشرف السيالة2 وصلى المغرب والعشاء، ثم صلى الصبح بعرق الظبية، بين الروحاء والسيالة، وهو دون الروحاء، ثم نزل الروحاء، فإذا بحمار عقير فقال: دعوه حتى يأتي صاحبه، فأهداه له صلى الله عليه وسلم، فأمر به أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الصحابة، وقال:"صيد البر لكم حلال إلا ما صدتم أو صيد لكم". ثم راح من الروحاء فصلى العصر بالمنصرف، وصلى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به، وصلى الصبح بالأثاية، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج.

ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما بين كداء وكدى ثم أصبح فاغتسل ودخلها نهار الاثنين من ذي الحجة من أعلاها حتى انتهى إلى باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، فوقع زمام راحلته فأخذه بشماله، ثم قال حين رأى البيت:"اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وبرًا"3.

ولما دخل المسجد بدأ بالطواف قبل الصلاة.

وطاف راكبًا على راحلته، فلما انتهى إلى الركن استلمه وهو مضطبع بردائه، وقال:"بسم الله والله أكبر". ثم رمل ثلاثة من الحجر إلى الحجر، وكان يأمر من استلم الركن أن يقول:"بسم الله والله أكبر إيمانًا بالله، وتصديقًا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم". وقال

1 يلملم على مسيرة يومين من مكة عند الطائف، وهو ميقات أهل اليمن.

2 السيالة موضع بين مكة والمدينة.

3 زاد المعاد ج2 ص224.

ص: 667

فيما بين الركن اليماني والأسود {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1.

ولم يستلم من الأركان إلا اليماني والأسود ومشى أربعة أشواط على مهل.

ثم انتهى خلف المقام فصلى ركعتين يقرأ فيهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} 2 و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 3 ثم عاد إلى الركن فاستلمه.

وقال لعمر رضي الله عنه: "إنك رجل قوي، إن وجدت الركن خاليًا فاستلمه، وإلا فلا تزاحم عليه فتؤذي".

وقال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "كيف صنعت بالركن يا أبا محمد "؟

فقال: استلمت وتركت.

قال: "أصبت".

ثم خرج إلى الصفا من باب بني مخزوم، وقال:"أبدأ بما بدأ الله به". وسعى على راحلته فصعد على الصفا فكبر سبع تكبيرات، وقال:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". ثم دعا بين ذلك، ونزل إلى المروة، فلما انصبت قدماه في الوادي رمل وقال في المشي:"أيها الناس! إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا، وسعى حتى انكشف إزاره عن فخذه". وقال في الوادي: "رب اغفر وارحم، وأنت الأعز الأكرم". فلما انتهى إلى المروة فعل عليها مثل ما فعل على الصفا، فبدأ بالصفا وختم بالمروة.

وأقام بمكة يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس، وكان يوم التروية يوم الجمعة، فخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر بمكة، وقام يوم التروية بين الركن والمقام، فوعظ الناس وقال:"من استطاع أن يصلي الظهر بمنى فليفعل". فصلى في حجته هذه صلاة أربعة أيام، وهو مقيم بمكة حتى خرج إلى منى.

1 سورة البقرة: 201.

2 سورة الكافرون: 1.

3 سورة الإخلاص: 1.

ص: 668

وركب حين زاغت الشمس في يوم التروية، بعد أن طاف بالبيت فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى.

ثم أصبح فسار إلى عرفة، ولم يركب من منى حتى رأى الشمس قد طلعت، ثم ركب إلى عرفة، ونزل بنمرة، وقد ضرب له بها قبة من شعر، ويقال: إنما قال إلى فيء صخرة، وميمونة رضي الله عنها تتبع ظلها حتى راح، وأزواجه في قباب خز فلما كان حين زاغت الشمس أمر براحلته القصواء، فرحلت برحل رث وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم، فلما توجه قال:"اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة". ثم أتى بطن عرنة، وكانت قريش لا تشك أنه لا يتجاوز المزدلفة يقف بها، فقال نوفل بن معاوية الديلمي وهو يسير إلى جنبه: يا رسول الله ظن قومك أنك تقف بجمع.

فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد كنت أقف بعرفة قبل النبوة خلافًا لهم".

وكانت قريش كلها تقف بجمع إلا شيبة بن ربيعة من بينهم فإنه كان يقف بعرفة.

وخطب صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس، ببطن عرنة على ناقته فلما كان آخر خطبته أذن بلال وسكت صلى الله عليه وسلم من كلامه، فلما فرغ بلال من أذانه تكلم بكلمات، وأناخ راحلته، وأقام بلال فصلى عليه السلام الظهر، ثم أقام العصر جمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم ركب، وهو يشير بيده إلى الناس:"ارتفعوا إلى عرفة". وكان من خطبته بعرفة قبل الصلاتين:

"أيها الناس إني والله ما أدري لعلي لا ألقاكم بمكاني هذا، بعد يومكم هذا، رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، واعلموا أن أموالكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، واعلموا أن الصدور لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، وأول دماء الجاهلية أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعًا في بني سعد بن بكر فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع كله، وأول ربا أضعه ربا العباس بن

ص: 669

عبد المطلب، اتقوا الله في النساء إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين فلهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن عضتم به: كتاب الله وأنتم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟ ".

قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، ثم قال بإصبعه السبابة يشير إلى السماء يرفعها ويكبها ثلاثًا:"اللهم اشهد".

ووقف على راحلته حتى غربت الشمس يدعو ونزل عليه وهو واقف بعرفة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

ومال إلى شعب الأذاخر، عن يسار الطريق بين المأزمتين فقضى حاجته، ولم يصل حتى نزل قريبًا من الدار التي على قزح، وصلى المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد لهما، وبإقامتين، لكل صلاة منهما إقامة، ولم يسبح بينهما، ولا آثر واحدة منهما، فلما كان في السحر أذن لمن استأذنه من أهل الضعف من الذرية والنساء في التقدم من جمع قبل حطمة الناس وحبس نساءه حتى دفعن بدفعه حين أصبح، فرمى الذين تقدموا الجمرة قبل الفجر أو مع الفجر.

ولما برق الفجر صلى عليه السلام الصبح، ثم ركب راحلته ووقف على قزح.

وأردف الفضل بن العباس من مزدلفة إلى منى، وقال:"هذا الموقف وكل المزدلفة موقف". وحمل حصى العقبة من المزدلفة، وأوضع في وادي محسر ولم يقطع التلبية حتى رمى الجمرة ورمى جمرة العقبة يوم النحر على ناقته، بلا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.

ولما انتهى إلى المنحر قال: "هذا المنحر، وكل منى منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر". ثم نحر بيده ثلاثًا وستين بدنة بالحربة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي.

ولما فرغ من نحر الهدي دعا الحلاق فحلق.

1 سورة المائدة: 3.

ص: 670

وخطب في حجته صلى الله عليه وسلم ثلاث خطب: الأولى قبل التروية بيوم بعد الظهر بمكة، والثانية يوم عرفة بعرفة بعد الظهر على راحلته القصواء، والثالثة يوم النحر بعد الصلاة، وكانت خطبة يوم النحر أطولها وأهمها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وضح فيها المعالم الكبرى في الإسلام وهو يودع أصحابه عند الموقف العظيم، وهذا نص خطبة النحر كما ذكرها ابن هشام والمقريزي وغيرها.

"أيها الناس! اسمعوا من قولي واعقلوه، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا أيها الناس! أي شهر هذا"؟ فسكتوا.

فقال: "هذا شهر حرام".

وأي بلد هذا؟ فسكتوا، فقال:"بلد حرام".

وأي يوم هذا؟ فسكتوا فقال: "يوم حرام".

ثم قال: "إن الله حرم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت"؟. قالوا: نعم.

قال: "اللهم اشهد! ".

ثم قال: "إنكم سوف تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت"؟ قال الناس: نعم!

قال: "اللهم اشهد! ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلِمون ولا تظلَمون، قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله، وأول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل، ألا هل بلغت"؟.

الوا: اللهم نعم!

قال: اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا ما أعطي عن طيب نفس".

ص: 671

فقال عمرو بن يثربي: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي اجتزر منها شاة؟ فقال: "إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادًا بخبت الجميش فلا تهجها".

ثم قال: "أيها الناس! {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} 1.

يحرمون ما أحل الله، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله منها أربعة حرم: ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر: الذي جاء بين جمادى الآخرة وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون، ألا هل بلغت"؟.

فقال الناس: نعم.

فقال: "اللهم اشهد".

ثم قال: أيها الناس إن للنساء عليكم حقًا، وإن لكم عليهن حقًا: فعليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا ولا يدخلن بيوتكم أحدًا تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وأن تضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا، ألا هل بلغت؟ ".

قال الناس: نعم!

قال: "اللهم اشهد. أيها الناس! إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه من أعمالكم، إن المسلم أخو المسلم، وإنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه، وإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، إني قد

1 سورة التوبة: 37.

ص: 672

تركت فيكم ما لا تضلون به: كتاب الله، ألا هل بلغت"؟.

قال الناس: نعم.

قال: "اللهم اشهد"1.

وقد تضمنت الخطبة القضايا التالية:

1-

بيان ما لمكة وأشهر الحج ويوم النحر من حرمة تدعو المسلم إلى المحافظة عليها.

2-

تحريم العدوان على المسلم وضرورة المحافظة على كيانه الإنساني الكامل، وأن حرمة الإنسان لا تقل عند الله عن حرمة مكان الحج وزمنه ويومه.

3-

توضيح إطار المسئولية الدينية التي يلتزم الإنسان بها في صدق وأمانة وإخلاص بعيدًا عن المحسوبية، والعنصرية والمحاباة.

4-

ضرورة الفضل التام بين ما كان في الجاهلية وما جاء به الإسلام، فلا استمرار لعادة ولا تقدير لحكم سابق إن خالفه الإسلام أو هدمه.

5-

الزمان ثابت لا يتغير وهو يدور مع الأيام والشهور ولا يصح تغييره للهوى والعبث.

6-

بيان أن المرأة صنو الرجل في المسئولية والجزاء، ولهن حقوقهن في إطار خلقتهن وعلى الرجل أن يحترم في المرأة إنسانيتها، وأن يتقي الله تعالى وهو يعاملها.

7-

على المسلمين أن يعلموا أن عدوهم الأكبر هو إبليس اللعين، وهم مكلفون بمقاومته والحذر من ألاعيبه.

8-

وكان صلى الله عليه وسلم يشهد الناس عن كل قضية يذكرها لهم ويبرئ ذمته أمام ربه ويناديه: "اللهم فاشهد".

9-

حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسئولية للمسلمين، وأشهد الله على أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة.

وبذلك وضح للمسلمين أهم ما يحتاجون إليه من توجيهات ودروس.

1 إمتاع الأسماع ج1 ص510 إلى 532، سيرة النبي لابن هشام ج2 ص603، 604.

ص: 673