المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: تسيير السرايا للخارجين على النظام - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ثالثا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت فيهم ركبانًا ينادون: يا بني الحارث أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وإني مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكتب إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته.

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وأن الله قد هداهم بهداه فبشرهم، وأنذرهم، وأقبل، وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته"1.

1 سبل الهدى والرشاد ج6 ص354.

ص: 613

‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

مع ظهور سيادة الإسلام في الجزيرة، وتعيين العمال، وإرسال الدعاة ظهرت جماعات متعددة تعيش على النهب والسلب، وتأبى الخضوع للنظام الإسلامي، فكان لا بد من تأديب هذه الجماعات، والأخذ على يدها ليستتب الأمن، ويستقر النظام، ويتفرغ المسلمون للتعامل مع القوى الخارجية ودعوتهم إلى الإسلام، وعلى رأس هذه القوى الفرس والروم، لأن التوجه إليهم يحتاج إلى قوة وصبر ورجال.

وأهم هذه السرايا ما يلي:

1-

سرية عيينة بن حصن الفزاري، في المحرم سنة تسع، إلى بني تميم، في خمسين فارسًا لم يكن فيهم مهاجري ولا أنصاري، وسببها أن بني تميم كانوا قد أغروا القبائل، ومنعوهم عن أداء الجزية وحرضوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خرج عيينة بن حصن يسير الليل ويكمن النهار، حتى هجم عليهم في الصحراء فولى

ص: 613

القوم مدبرين، وأخذ منهم أحد عشر رجلا، وإحدى وعشرين امرأة، وثلاثين صبيًا، وساقهم إلى المدينة، فأنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رملة بنت الحارث.

وقدم فيهم عشرة من رؤسائهم، فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا بصوت عال: يا محمد اخرج إلينا فخرج فتعلقوا به، وجعلوا يكلمونه، فوقف معهم، ثم مضى حتى صلى الظهر، ثم جلس في صحن المسجد، فأظهروا رغبتهم في المفاخرة والمباهاة، وقدموا خطيبهم عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا والذي جعلنا ملوكًا، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم مالًا وأكثرهم عددًا، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برءوس الناس وذوي فضلهم؟ فمن يفاخر فليعدد مثل ما عددنا، ولو شئنا لأكثرنا من الكلام، ولكنا نستحيي من الإكثار فيما أعطانا الله أقول قولي هذا لأن نؤتى بقول هو أفضل من قولنا.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس، خطيب الإسلام، فأجابهم وقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كل شيء علمه، فلم يكن شيء إلا من فضله، ثم كان ما قدر أن جعلنا ملوكًا اصطفى لنا من خلقه رسولا، أكرمهم نسبًا، وأحسنهم زيًا، وأصدقهم حديثًا، أنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، وكان خيرته من عباده، فدعا إلى الإيمان فآمن المهاجرون من قومه وذي رحمه، أصبح الناس وجهًا، وأفضل الناس فعالا، ثم كان أول الناس إجابة حين دعا رسول الله، فنحن أنصار الله ورسوله، نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في ذلك، وكان قتله علينا يسيرًا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات1.

ثم قدموا شاعرهم الزبرقان بن بدر فأنشد مفاخرًا، فأجابه شاعر الإسلام حسان بن ثابت على البديهة.

ولما فرغ الخطيبان والشاعران قال الأقرع بن حابس: خطيبه أخطب من خطيبنا،

1 إمتاع الأسماع ج1 ص436.

ص: 614

وشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا، وأقوالهم أعلى من أقوالنا، ثم أسلموا فأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن جوائزهم، ورد عليهم نساءهم وأبناءهم وفيهم نزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

2-

سرية قطبة بن عامر إلى حي من خثعم بناحية تبالة، بالقرب من تربة، في صفر سنة تسع خرج قطبة في عشرين رجلا على عشرة أبعرة يتعقبونها، فشن الغارة، فاقتتلوا قتالا شديدًا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعًا، وقتل عدد كبير، وساق المسلمون النعم والنساء والشاء إلى المدينة.

3-

سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب في ربيع الأول سنة تسع بعثت هذه السرية إلى بني كلاب، لدعوتهم إلى الإسلام، فأبوا وقاتلوا، فهزمهم المسلمون وقتلوا منهم رجلا.

4-

سرية علقمة بن محرز المدلجي إلى سواحل جدة في شهر ربيع الآخر سنة تسع في ثلاثمائة، بعثهم إلى رجال من الحبشة كانوا قد اجتمعوا بالقرب من سواحل جدة للقيام بأعمال القرصنة ضد أهل مكة، فخاض علقمة البحر حتى انتهى إلى جزيرة، فلما سمعوا بمسير المسلمين إليهم هربوا.

5-

سرية علي بن أبي طالب إلى صنم لطيئ، يقال له القلس، ليهدمه، في شهر ربيع الأول سنة تسع بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة على مائة بعير وخمسين فرسًا ومعه راية سوداء ولواء أبيض، فشنوا الغارة على محلة حاتم مع الفجر، فهدموه وملئوا أيديهم من

1 سورة الحجرات: 2-5.

ص: 615

السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام، ووجد المسلمون في خزانة القلس ثلاثة أسياف وثلاثة أدرع، وفي الطريق قسموا الغنائم، وعزلوا الصفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقسموا آل حاتم.

ولما جاءوا إلى المدينة استعطفت أخت عدي بن حاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم غاب الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة، ما بي من خدمة، فمنّ عليّ منّ الله عليك.

قال: "من وافدك".

قالت: عدي بن حاتم.

قال: "الذي فر من الله ورسوله". ثم مضى، فلما كان الغد قالت مثل ذلك وقال لها مثل ما قال أمس، فلما كان بعد الغد قالت مثل ذلك، فمنّ عليها.

ورجعت أخت عدي بن حاتم إلى أخيها عدي بالشام، فلما لقيته قالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها، ائته راغبًا أو راهبًا، فجاء عديّ بغير أمان ولا كتاب، فأتي به إلى داره صلى الله عليه وسلم، فلما جلس بين يديه حمد رسول الله به وأثنى عليه، ثم قال:"ما يفرك؟ أيفرك أن تقول: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم مِن إله سوى الله"؟.

قلت: لا.

ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال: "إنما تفر أن يقال: الله أكبر فهل تعلم شيئًا أكبر من الله"؟.

قلت: لا.

قال: "فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضالون".

قلت: فإني حنيف مسلم، فانبسط وجهه صلى الله عليه وسلم فرحًا، وأمر بي فنزلت عند رجل من الأنصار، وجعلت آتي النبي صلى الله عليه وسلم طرفي النهار.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فيما يهديه، ويرشده قال لي:"إيه يا عدي بن حاتم، ألم تكن ركوسيًا"؟.

قلت: بلى.

ص: 616

قال: "أولم تكن تسير في قومك بالمرباع"؟.

قلت: بلى.

قال: "فإن ذلك لم يحل لك في دينك".

قلت: أجل وعرفت أنه نبي مرسل، يعرف ما يجهل.

ثم قال: "يا عدي أسلم تسلم".

فقلت: إني من أهل دين.

قال: "أنا أعلم بدينك منك".

فقلت: أنت أعلم بديني مني؟

قال: "نعم، ألست من الركوسية، وأنت تأكل مرباع قومك".

فقلت: بلى.

قال: "فإن هذا لا يحل لك في دينك".

يقول عدي: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل.

فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة ويطلب من يقبله، فلا يجد أحدًا يقبله منه".

يقول عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم1.

1 الرحيق المختوم من ص425 إلى 428.

ص: 617