الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
في أعقاب خيبر:
نقض ابنا الحقيق عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيبا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا كثيرًا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟
قال: نعم.
فأمر بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه فدفعه إلى الزبير، وقال: خذه معك حتى تستأصل ما عنده، فحبسه الزبير حتى أقر بما عنده.
ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة، ليضرب عنقه قصاصًا لأخيه محمود بن مسلمة الذي قتله كنانة غيلة بإلقاء الرحى عليه عند حصن ناعم.
وذكر ابن القيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابني أبي الحقيق وأحدها كان زوج صفية بنت حيي وهو كنانة بن أبي الحقيق بعد نقضهما العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الذي اعترف عليهما وأخبر رسول الله بإخفاء المال هو ابن عم كنانة1.
وفي هذه الغزوة قدم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة، ومعهم الأشعريون أبو موسى عبد الله بن قيس وأصحابه رضي الله عنهم ومعهم أسماء بنت عميس رضي الله عنها2.
قال أبو موسى: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين، أنا وأخوان لي في بضع وخمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفرا وأصحابه عنده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا
1 زاد المعاد ج3 ص327.
2 المرجع السابق ج3 ص332.
بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا إلى رسول الله مع المهاجرين العائدين من الحبشة فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئًا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقبله، وقال:"والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر"؟ 1.
وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري، يطلب توجيههم إليه، فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلا، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم، وبقيتهم رجعوا قبل ذلك لأنهم لما سمعوا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع ثلاث وثلاثون رجلا وثماني نسوة، فمات منهم رجلان بمكة، وحبس فيها سبعة، وشهد منهم أربعة وعشرون رجلا بدرًا.
وكانت صفية في السبايا حين قتل زوجها كنانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع المسلمون السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي.
فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي.
فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك.
قال: "ادعوه بها".
فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خذ جارية من السبي غيرها"2.
وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها حتى إذا كان بسد الصهباء راجعًا إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، وأهدتها له من الليل، فأصبح عروسًا بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسويق.
ورأى صلى الله عليه وسلم بوجهها خضرة، فقال: ما هذا؟
قالت: يا رسول الله رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئًا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي،
1 زاد المعاد ج3 ص333.
2 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج9 ص404.
فقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة1.
ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم، شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقيل لها: الذراع فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع، فلاك منها مضغة فلم يستسغها، ولفظها ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟
قالت: قلت إن كان ملكًا استرحت منه، وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها صلى الله عليه وسلم2.
ووفد أبو هريرة رضي الله عنه ونفر من أوس على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وفي ذلك يقول أبو هريرة: قدمنا المدينة، ونحن ثمانون بيتًا من أوس، فصلينا الصبح خلف سباع بن عرفطة الغفاري.
فلما فرغنا من صلاتنا قال قائل: رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وهو قادم عليكم.
فقلت: لا أسمع به في مكان أبدًا إلا جئته، فزودنا سباع بن عرفطة، وحملنا حتى جئنا خيبر فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح النطاة، وهو محاصر الكتيبة، فأقمنا حتى فتح الله علينا3.
وجاء لرسول الله نفر من بني فزارة، وكانوا قد قدموا على أهل خيبر ليعينوهم فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعينوهم وسألهم أن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا فأبوا عليه، فلما أن فتح الله خيبر أتاه من كان هناك من بني فزارة، فقالوا: حظنا الذي وعدتنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكم ذو الرقيبة"، جبل من جبال خيبر.
فقالوا: إذا نقاتلك.
فقال صلى الله عليه وسلم: "موعدكم جنفًا".
1 زاد المعاد ج3 ص327.
2 السيرة النبوية ج2 ص337.
3 سبل الهدى والرشاد ج5 ص212.
فلما أن سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا هاربين1.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الحمر الأهلية فعن سلمة رضي الله عنه قال: أتينا خيبر فحاصرناها حتى أصابتنا مخمصة شديدة، ثم إن الله تعالى، فتحها علينا، فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم، أوقدوا نيرانًا كثيرة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون"؟.
قالوا: على لحم.
قال صلى الله عليه وسلم: "على أي لحم"؟.
قالوا: لحم حمر إنسية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهرقوها، واكسروا الدنان".
فقال رجل: أو نهرقها ونغسلها؟
قال صلى الله عليه وسلم: "أو ذاك"2.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور حيث قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره، ولا يبع شيئًا من المغنم حتى يعلم، ولا يركب دابة من المغنم حتى إذا أدبرها ردها، ولا يلبس ثوبًا من المغنم حتى إذا أخلقه رده، ولا يأت امرأة من السبي حتى تستبرأ بحيضة، وإن كانت حبلى حتى تضع الحمل".
ومر على امرأة مجح، فقال:"لمن هذه"؟.
فقيل: لفلان.
فقال: "لعله يطؤها"؟.
قالوا: نعم.
قال: "كيف بولدها؟ يرثه وليس بابنه، لقد هممت أن ألعنه لعنة تتبعه في قبره"3.
وهكذا فتحت خيبر وزال نفوذ اليهود من الجزيرة العربية كلها.
1 سبل الهدى والرشاد ج5 ص213.
2 صحيح البخاري كتاب المغازي.
3 إمتاع الأسماع ص324.