الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستقي عليها، فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم "أبا بكرة" فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الحصن مشقة شديدة.
ولما طال الحصار، واستعصى الحصن وأصيب المسلمون بما أصيبوا من رشق النبال والحديد المحمى، وكان أهل الحصن، قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلمي فقال: هم ثعلب في جحر، وإن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك، وحينئذ عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على رفع الحصار والرحيل، فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس: إنا قافلون غدًا إن شاء الله، فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغدوا على القتال". فغدوا فأصابهم جراح.
فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدًا إن شاء الله". فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
ولما ارتحلوا واستقلوا قال صلى الله عليه وسلم: "قولوا: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون".
وقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع على ثقيف، فقال:"اللهم اهد ثقيفًا وآت بهم".
وقد استشهد من المسلمين في حصار الطائف اثنا عشر رجلا1.
1 انظر المغازي ج3 ص922-938 بتصرف.
6-
توزيع الغنائم:
انتهى صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس خلون من ذي القعدة والغنائم بها ستة آلاف، والإبل أربعة وعشرون ألف بعير، فيها اثنا عشر ألف ناقة، والغنم أربعون ألفًا وقيل: أكثر، فأمر صلى الله عليه وسلم بسر بن سفيان الخزاعي أن يقدم مكة فيشتري للسبي ثيابًا من برود هجر، فكساهم كلهم، واستأنى صلى الله عليه وسلم بالسبي ولم يوزع منهم، وأقام يتربص أن يقدم وفدهم، وكان قد فرق منه وهو بحنين، فأعطى عبد الرحمن بن عوف امرأة، وأعطى صفوان بن أمية، وعليًا، وعثمان، وعمر، وجبير بن مطعم، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وأبا عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام رضي الله عنهم فلما رجع إلى
الجعرانة بدأ بالأموال فقسمها، فأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس، فجاء أبو سفيان بن بن حرب والفضة بين يديه، فقال: يا رسول الله أصبحت أكثر قريش مالا، فتبسم صلى الله عليه وسلم.
فقال أبو سفيان: أعطني من هذا يا رسول الله.
قال صلى الله عليه وسلم: "يا بلال! زن لأبي سفيان أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل".
قال: ابني معاوية يا رسول الله!
قال صلى الله عليه وسلم: "زن له يا بلال أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل".
قال أبو سفيان: إنك لكريم فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت! ثم سالمتك فنعم المسالم أنت جزاك الله خيرًا1.
وسأل حكيم بن حزام يومئذ مائة من الإبل فأعطاه، ثم سأل مائة أخرى فأعطاه ثم سأل مائة ثالثة فأعطاه، ثم قال:"يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول". فأخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك ما عداها وقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعد. فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوه لعطاء فيرفضه2.
وأعطى النضير بن الحارث علقمة بن كلدة أخا النضر بن الحارث مائة من الإبل، وأعطى أسيد بن جارية، حليف بني زهرة مائة من الإبل، وأعطى العلاء بن جارية خمسين بعيرًا، وأعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل، وسعيد بن يربوع خمسين بعيرًا.
وفي صحيح مسلم عن الزهري: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى يومئذ صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل، ويقال إنه طاف مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتصفح الغنائم، إذ مر بشعب مما أفاء الله عليه، فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال صلى الله عليه وسلم:
1 المغازي ج3 ص944-945.
2 المرجع السابق ج3 ص945.
"أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب"؟.
قال صفوان: نعم.
قال: "هو لك وما هو فيه"!.
فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا نبي، وأشهد أنك رسول الله1 وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين بعيرًا، وأعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة من الإبل، وأعطى أبا عامر العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة السلمي دون المائة، فعاتب النبي صلى الله عليه وسلم في شعر قاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقطعوا عني لسانه فأعطوه مائة من الخمس".
وقال يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري؟
فقال: "أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني أتألفهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه".
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت رضي الله عنه بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس وكانت سهامهم: لكل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة، وإن كان فارسًا أخذ ثنتي عشرة من الإبل أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له.
وقدم وفد هوازن، وهم أربعة عشر رجلا رأسهم أبو صرد زهير بن صرد الجشمي السعدي، قد أسلموا وأخبروا بإسلام من وراءهم من قومهم.
فقال أبو صرد: يا رسول الله أنا أصل العشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا من الله عليك، إنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنا منحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا أحدهما بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته، وأنت خير المكفولين.
1 صحيح مسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن الحديث أصدقه، وعندي من ترون من المسلمين، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم"؟.
قالوا: يا رسول الله! خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا! وما كنا نعدل بالأحساب شيئًا، فرد علينا أبناءنا ونساءنا.
فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وأسأل لكم الناس، فإذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني سأقول لكم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأطلب لكم إلى الناس". فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالناس: قاموا فتكلموا بما أمرهم به، فأجابهم بما تقدم، فقال المهاجرون: فما كان لنا فهو لرسول الله.
وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا.
وقال عيينة بن حصن: أما أنا وفزارة فلا.
وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا!
فقالت بنو سليم: بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبًا فقال: إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين، وقد كنت أستأنيت بهم فخيرتهم بين النساء والأبناء والأموال، فلم يعدلوا بالنساء والأبناء فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك، ومن أبى منكم ويمسك بحقه فليرد عليهم، وليكن قرضًا علينا ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا به". فقالوا: يا رسول الله رضينا وسلمنا.
قال صلى الله عليه وسلم: "فمروا عرفاءكم أن يرفعوا ذلك إلينا حتى نعلم". فكان زيد بن ثابت على الأنصار يسألهم: هل سلموا ورضوا؟ فخبروه أنهم سلموا ورضوا، ولم يتخلف منهم رجل واحد، وكان أبو رهم الغفاري يطوف على قبائل العرب، ثم جمعوا العرفاء واجتمع الأمناء الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتفقوا على قول واحد: أنهم سلموا ورضوا، ودفع عند ذلك السبي إليهم.
وتمسكت بنو تميم مع الأقرع بن حابس بالسبي فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء ست فرائض: ثلاث حقائق وثلاث جذاع.
وقال يومئذ: "لو كان ثابتًا على أحد من العرب ولاء أورق لثبت اليوم، ولكن إنما هو إسار أو فدية". وجعل أبا حذيفة العدوي على مقاسم المغنم.
وقال للوفد: "ما فعل مالك بن عوف"؟.
قالوا: هرب ولحق بحصن الطائف مع ثقيف.
فقال صلى الله عليه وسلم: إنه إن يأت مسلمًا رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل، وكان قد حبس أهل مالك بمكة عند عمتهم أم عبد الله بهمة ابنة أبي أمية، ووقف ماله فلم تجر فيه السهام، فلما بلغ ذلك مالكًا، فر من ثقيف ليلا، وقدم الجعرانة وأسلم، وأخذ أهله وماله ومائة من الإبل.
ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عطاياه وجد الأنصار في أنفسهم إذ لم يكن فيهم منها شيء، وكثرت القالة، فقال واحد: لقي رسول الله قومه! أما حين القتال فنحن أصحابه، وأما حين القسم فقومه وعشيرته، ووددنا أنا نعلم ممن كان هذا؟ إن كان هذا من الله صبرنا، وإن كان هذا من رأي رسول الله استعتبناه.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب غضبًا شديدًا، ودخل عليه سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال له:"ما يقول قومك"؟.
فقال سعد: وما يقولون يا رسول الله؟
فذكر له ما بلغه وقال: "فأين أنت من ذلك يا سعد"؟.
فقال: يا رسول الله، ما أنا إلا كأحدهم، وإنا لنحب أن نعلم من أين هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم:"فاجمع لي من كان ها هنا من الأنصار".
فلما اجتمعوا، حمد الرسول ربه وأثنى عليه ثم قال:"يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم"؟.
قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل.