المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ سرية مؤتة - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ سرية مؤتة

‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

‌مدخل

سادسًا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها:

علت قوة المسلمين في الجزيرة كلها واستكان القرشيون، وعلم الناس خبر الإسلام فبدءوا الدخول فيه غير أن نفرًا من الناس وبخاصة من لهم صلة بالرومان أبوا الانصياع للواقع الجديد فبدءوا يلتقون بالرومان، ويتعاونون معهم في التصدي لدعاة الإسلام، وكراهية قوة المسلمين.

وشجعهم على ذلك ما فعله صاحب بصرى شرحبيل بن عميل الغساني عامل البلقاء من قبل قيصر الروم حيث مزق كتاب رسول الله وقتل الصحابي الحارث بن عمير الأزدي حامل الرسالة.

إن هذا الفعل جريمة تحتاج إلى المواجهة حتى لا يتصور الناس ضعفًا بالمسلمين فيستهينون بهم، ويصدون الدعاة عن تبليغ الحق، وحمل الإسلام إلى الناس.

إزاء هذا الواقع الذي حدث في شمال الجزيرة العربية بدأت مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية مع هذه المنطقة رغم بعدها عن المدينة، واستعداداتها العسكرية الضخمة، وقد أدت المواجهة مع هؤلاء الناس إلى حدوث السرايا التالية:

ص: 558

1-

‌ سرية مؤتة

1:

أدى مقتل الصحابي "الحارث بن عمير" حامل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى إلى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتألمه لهذا العدوان الذي لا يراعي حقًا، ولا يحترم خلقًا، فجهز جيشًا من ثلاثة آلاف صحابي، وأمر عليه ثلاثة من خيرة الصحابة هم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فأمر زيدًا أولا وقال لهم:"إن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله". وعقد لهم لواء أبيض2.

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان خارج المدينة فعسكر بـ"الجرف" وندب الصحابة للخروج، ولم يبين لهم الأمر، حتى صلى بهم الظهر فجلس معهم، وعين الأمراء، وعقد

1 مؤتة: قرية بأدنى بلاد الشام في منطقة البلقاء.

2 الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج21 ص136.

ص: 558

اللواء وأعطاه للأمير الأول، زيد بن حارثة، وأخذ المؤمنون يدعون قائلين وهم يودعون المجاهدين: دافع الله عنكم وردكم صالحين غانمين.

وقد ودع رسول الله الجيش حتى ثنية الوداع، وهناك أوصاهم فقال لهم: "أوصيك بتقوى الله، وبمن معك من المسلمين خيرًا، اغزوا باسم الله في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدًا.

وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم، واكفف عنهم.

ادعهم إلى الدخول في الإسلام، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين.

إن دخلوا في الإسلام واختاروا أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله، ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.

فإن أبوا الإسلام فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.

وإن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟

وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك على أن تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة رسوله، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك، فإنكم إن تنقضوا ذمتكم وذمة آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.

ص: 559

وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين للناس، فلا تتعرضوا لهم وستجدون آخرين في رءوسهم مفاحص الغدر والهوى فاقلعوها بالسيوف.

ولا تقتلن امرأة ولا صغيرًا ضرعًا، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تغرقن نخلا، ولا تقلعن شجرًا ولا تهدموا بيتًا"1.

وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، مرني بشيء أحفظه عنك.

قال صلى الله عليه وسلم: "إنك قادم غدًا بلدًا، السجود فيه قليل فأكثر السجود".

قال ابن رواحة: زدني يا رسول الله.

قال صلى الله عليه وسلم: "اذكر الله، فإنه عون لك على ما تطلب".

فقام عبد الله من عنده، حتى إذا مضى ذاهبًا رجع.

فقال: يا رسول الله! إن الله وتر يحب الوتر.

فقال: "يابن رواحة، ما عجزت فلا تعجزن إن أسأت عشرًا أن تحسن واحدة".

فقال: لا أسألك عن شيء بعدها2.

ومضى المسلمون، وقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتهوا إلى مقتل الحارث بن عمير وسمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم، فقام فيهم رجل من الأزد يقال له: شرحبيل بن عمرو الغساني، وقدم الطلائع أمامه، وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين فلقوا المسلمين بوادي القرى فقاتلهم المسلمون وقتلوا سدوسًا.

ونزلوا معان من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من البلقاء في مائة ألف من الروم، ومعه من بهراء ووائل، وبكر، ولخم، وجذام مائة ألف عليهم رجل من بلى يقال له: مالك.

فأقاموا ليلتين بـ"معان" وأرادوا أن يكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر ليردهم أو يزيدهم رجالا، فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول، إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به،

1 إمتاع الأسماع ج1 ص348، 349.

2 المغازي ج2 ص756-758.

ص: 560

انطلقوا والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان، ويوم أحد وما معنا إلا فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا الله ووعدنا نبينا، وليس لوعده خلف وإما الشهادة، فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان.

فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة، فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل للمسلمين به من العدد، والسلاح، والكراع، والديباج، والحرير، والذهب.

قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة، ما لك؟ كأنك ترى جموعًا كثيرة.

قلت: نعم.

قال: لم تشهدنا ببدر، إنا لم ننصر بالكثرة.

وقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم: فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل وقاتل الناس معه، والمسلمون على صفوفهم، وعلى الميمنة قطبة بن قتادة السدوسي، وعلى الميسرة عباية بن مالك، فقتل زيد طعنًا بالرماح.

ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها، ثم قاتل حتى قتل: ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوجد في نصفه بضع وثلاثون جرحًا، وقيل: وجد فيما بين منكبيه، اثنتان وسبعون ضربة بسيف أو طعنة برمح، ووجد به طعنة قد أنفذته.

ثم أخذ اللواء بعده عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل1.

وسقط اللواء، فاختلط المسلمون والمشركون، وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة، وقتلوا، وأتبعهم المشركون، فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرًا، فما يثوب إليه أحد، ثم تراجعوا، فأخذ اللواء ثابت بن أقرم، وصاح: يا للأنصار، فأتاه الناس من كل وجه وهم قليل، وهو يقول: هلموا إلي أيها الناس.

فلما نظر إلى خالد بن الوليد قال: خذ اللواء يا أبا سليمان.

1 المغازي ج2 ص760-762.

ص: 561

فقال خالد: لا آخذه، أنت أحق به، أنت رجل لك سن، وقد شهدت بدرًا.

قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوالله ما أخذته إلا لك.

فأخذه خالد وواصل القتال، وجعل المشركون يحملون عليه، فثبت حتى كل المشركون، وحمل بأصحابه ففض جمعًا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشر كثير فتحملها خالد والمسلمون حتى انتهى اليوم.

بات خالد ليلته ووضع خطة جديدة فلما أصبح غدا، وقد جعل مقدمته ساقة وساقته مقدمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة، وصمد في واد واسع ينتهي بمضيق جهة الرومان فلما جاء الرومان من المضيق، ورأوا تنظيم المسلمين أنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم، فقالوا: قد جاءهم مدد، ورعبوا، فانكشفوا منهزمين، وحين تراجعهم اضطربوا في المضيق وأدى تزاحمهم إلى هلاك كثير منهم وقتل المسلمون منهم مقتلة لم يقتلها قوم آخرون1.

وقتل من المسلمين يوم مؤتة اثنا عشر شهيدًا بما فيهم القواد الثلاثة وانسحب الجيش الإسلامي وعاد إلى المدينة ببعض الغنائم وتحدث أهل المدينة بأن الجيش فر من المعركة وسموهم بالفرار، فقعد الناس في بيوتهم حتى لا يسمعوا من يناديهم يا فرار. وكانوا يصلون في دورهم ولا يحضرون جماعة المسجد.

فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار في سبيل الله"2.

والصحيح أن كل فئة انحازت عن الأخرى، وأطلع الله سبحانه وتعالى على ذلك رسوله من يومهم ذلك، فأخبر به أصحابه وقال عنهم صلى الله عليه وسلم:"لقد رفعوا إليّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحه ازورارًا عن سرير صاحبيه، فقلت عم هذا؟ فقيل لي: مضيا، وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى".

1 إمتاع الأسماع من ص345 إلى ص349.

2 المغازي ج2 ص765.

ص: 562