الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:
استيقظت قريش لنفسها، وأدركت أنها ارتكبت جرمًا يستوجب نقض صلحها مع المسلمين، فأسرعت بإرسال أبي سفيان في وفادة الإنقاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليجدد الصلح والعهد، ويزيد في المدة، فخرج أبو سفيان من مكة، فلقيه بديل بن ورقاء عائدًا من المدينة فقال له: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال بديل: سرت في خزاعة في هذا الساحل في بطن هذا الوادي.
فعمد أبو سفيان إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى، وعلم أنه من نوى المدينة فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدًا.
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته، فقال: يا بنيه ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش؟ أو رغبت به عني؟
فقالت: هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراشه.
فقال: يا بنية والله ولقد أصابك بعلمك شر.
قالت: هداني الله للإسلام، وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام وأنت تعبد حجرًا لا يسمع ولا يبصر؟
قال: يا عجباه، وهذا منك أيضًا؟ أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد؟ ثم قام من عندها1.
فلما لقي رسول الله قال له: يا محمد اشدد العقد، وزدنا في المدة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو لذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم"؟.
فقال: معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير، ولا نبدل.
فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى أبا بكر فقال: جدد العقد وزدنا في المدة؟
فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم.
ثم خرج فأتى عمر بن الخطاب فكلمه.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما كان من حلفنا جديد فأخلقه الله، وما كان منه مثبتًا فقطعه الله، وما كان منه مقطوعًا فلا وصله الله.
فقال له أبو سفيان: جزيت من ذي رحم شرًا.
ثم دخل على عثمان فكلمه.
فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اتبع أشراف قريش يكلمهم فكلهم يقول: عقدنا في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما يئس مما عندهم دخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمها فقالت: إنما أنا امرأة وإن ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال لها: فأمري أحد ابنيك.
فقالت: إنهما صبيان ليس مثلهما يجير.
قال: فكلمي عليًا.
فقالت: أنت فكلمه.
فلما كلمه قال له علي رضي الله عنه: إن ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتات على رسول الله بجوار، وأنت سيد قريش وأكبرها وأمنعها فأجر بين عشيرتك.
1 المغازي ج1 ص792، 793، سيرة النبي ج2 ص357.
قال: صدقت وأنا كذلك، فخرج فصاح ألا أني قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد.
ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إني أجرت بين الناس، ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد، ولا يرد جواري؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "أنت تقول يا أبا حنظلة".
فخرج أبو سفيان على ذلك فقال صلى الله عليه وسلم حين أدبر أبو سفيان: "اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة ولا يسمعوا بنا إلا فجأة".
وقدم أبو سفيان مكة فقالت له قريش: ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد أو عهد؟
قال: لا والله لقد أبى عليّ، وقد تتبعت أصحابه فما رأيت قومًا لملك عليهم أطوع منهم له، غير أن علي بن أبي طالب قد قال لي: التمس جوار الناس عليك، ولا تجر أنت عليه وعلى قومك وأنت سيد قريش وأكبرها وأحقها أن لا تخفر جواره، فقمت بالجوار ثم دخلت على محمد فذكرت له أني قد أجرت بين الناس وقلت: ما أظن أن تخفرني؟
فقال: "أنت تقول ذلك يا حنظلة"؟ 1.
فقالوا مجيبين له: رضيت بغير رضى، وجئتنا بما لا يغني عنا ولا عنك شيئًا، وإنما لعب بك علي، لعمر الله ما جوارك بجائز وإن إخفارك عليهم لهين.
ثم دخل على امرأته فحدثها الحديث فقالت: قبحك الله من وافد فما جئت بخير.
1 بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني ج21 ص144، والمغازي ج2 ص793، 795.