المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

على حمايتهم وبدأت تشك في قوتهم وصمودهم. ورأى المكيون كذلك أن - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: على حمايتهم وبدأت تشك في قوتهم وصمودهم. ورأى المكيون كذلك أن

على حمايتهم وبدأت تشك في قوتهم وصمودهم.

ورأى المكيون كذلك أن الوثنيين، وأعراب البوادي، واليهود يشاركونهم في كراهية الإسلام، والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاتصلوا بهم، وتصوروا أن اتحادهم في الهدف سبب رئيسي لتوحيد صفوفهم أمام المسلمين، الأمر الذي يؤدي إلى قهر المسلمين، والقضاء عليهم وعلى دعوتهم، ولذلك نشطوا في الإعداد للحرب، وأسرعوا في مهاجمة المسلمين، وجمعوا ما أمكنهم من العتاد والعدة وتحركوا لحرب المسلمين فكانت وقعة "أحد".

ص: 322

‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

‌موقف المشركين

ثانيًا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنوايا القرشيين، فأخذ يعد للأمر عدته، واجتهد القرشيون في تحقيق غاياتهم في محاربة المسلمين، والقضاء عليهم، وعلى دينهم، وتأمين حركتهم التجارية، وتأديب أي خارج عليهم، وانطلقوا بجمعهم إلى المدينة، فوقعت الوقعة المعروفة في "أحد" وكان لكل فريق موقفه، وخطته، ولذلك لزم معرفة موقف كل طرف قبل المعركة.

1-

موقف المشركين:

اتخذ القرشيون صورًا عملية عديدة بعد هزيمة "بدر" مباشرة، واستمرت جهودهم على نشاطها حتى وقعت المعركة، فلقد نشطوا في جمع الأموال، وتكثير الجنود والتأثير على القبائل، وخططوا لتحركهم بدقة عالية، لكن الله غالب على أمره ومن أهم مواقفهم ما يلي:

أ- الإعداد المالي:

بدأ القرشيون يعدون للحرب عقب "بدر" مباشرة، وبدءوا في جمع أموال يستعدون بها، فلما رجعوا إلى مكة من "بدر" وجدوا العير التي عاد بها أبو سفيان

ص: 322

موقوفة عند دار الندوة، لم توزع لأصحابها بعد، فمشى إلى أبي سفيان مجموعة من أشراف مكة هم: الأسود بن المطلب بن أسد، وجبير بن مطعم، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة، وحويطب بن عبد العزى، وحجير بن أبي إهاب، فقالوا: يا أبا سفيان، انظر هذه العير التي قدمت بها فاحتبسها، فقد عرفت أنها أموال أهل مكة، ولطيمة قريش، وهم طيبوا الأنفس، يجهزون هذه العير جيشًا كثيفًا إلى محمد، وأنت ترى من قتل من آبائنا وأبنائنا وعشائرنا وأهلنا.

قال أبو سفيان: وهل طابت أنفس قريش بذلك؟

قالوا نعم.

قال: فأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي، فأنا والله الموتور الثائر قد قتل ابني حنظلة وأشراف قومي ببدر فلم تزل العير موقوفة حتى تجهزوا، واقترب موعد الخروج إلى أحد.

قالوا: يا أبا سفيان، بع العير ثم اعزل أرباحها، وكانت العير ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، وكانوا يربحون في تجارتهم للدينار دينارًا، وكان متجرهم من الشام غزة لا يعدونها إلى غيرها، وكان أبو سفيان قد حبس عير بني زهرة لأنهم رجعوا من طريق بدر ولم يقاتلوا، وسلم ما كان لمخرمة بن نوفل، ولبني أبيه، وبني عبد مناف بن زهرة، فأبى مخرمة أن يقبل عيره حتى يسلم إلى بني زهرة جميعًا.

وتكلم الأخنس فقال: ما لعير بني زهرة من بين عيرات قريش؟

قال أبو سفيان: لأنهم رجعوا عن قريش.

قال الأخنس: أنت أرسلت إلى قريش أن ارجعوا فقد أحرزنا العير، لا تخرجوا في غير شيء، فرجعنا، فأخذت زهرة عيرها، وأخذ أقوام من أهل مكة كل ما كان لهم في العير1.

وهكذا اجتمعت قريش على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفعوا أموالهم للإعداد

1 المغازي ج1 ص199، 200.

ص: 323

وجلب العدد، وأخذوا يحرضون غيرهم معهم، فوافقهم الأحباش وهم أقوام من غير العرب، وقبائل كندة، وأهل تهامة، وغيرهم.

ب- التعبئة العامة للمشركين:

نشط المكيون في جمع أكبر عدد لقتال المسلمين، فأخذوا يمرون على القبائل ويدورون على سائر المجتمعات العربية، مستفيدين في ذلك بشعرائهم ومشاهيرهم، وخطبائهم فاجتمعوا على أن يبعثوا أربعة من قريش لهذه المهمة، فبعثوا عمرو بن العاص وهبيرة بن أبي وهب، وابن الزبعرى، وأبا عزة الجمحي.

وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي من الشعراء المشهورين، المعروفين عند الناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منّ عليه يوم "بدر" وأطلق سراحه بلا فداء لأنه كان فقيرًا ذا عيال وحاجة، فلما عرضوا عليه أن يشترك معهم في التحريض على قتال المسلمين، عرفهم بأنه مدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين منّ عليه، وأطلق سراحه يوم "بدر"، بلا فداء بسبب عوزه وبنيه، ورفض أن يشترك معهم.

فقال له صفوان بن أمية: يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر، فأعنا بلسانك، فأخرج معنا فقال له أبو عزة: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه.

قال صفوان: فأعنا بنفسك، فلك الله إن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي، يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، وما زال به حتى وافق على الخروج معهم.

فخرج أبو عزة في تهامة يحرضهم ويهيجهم بشعره وخطبه.

وخرج مسافح بن عبد مناف بن وهب إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودعا جبير بن مطعم غلامًا له حبشيًا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق.

ص: 324

وقصد المكيون كل من أصيب ببدر في ماله وأهله، ودفعوهم إلى المشاركة بالمال أو بالنفس، أو بالتحريض لقتال المسلمين، ورحبوا بكل قادم غريب ليكون معهم في حربهم ضد المسلمين.

ولحق أبو عامر الفاسق بالمكيين وخرج إليهم في خمسة عشر رجلا من الأوس، وتابع قريشًا وسار معها، وهو يعدها أن قومه يؤازرونهم.

واسم أبي عامر هذا: عبد عمرو بن صيفي الراهب، وكان رأس الأوس في الجاهلية وكان مترهبًا، فلما جاء الإسلام خذل، فلم يدخل فيه، وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فخرج من المدينة إلى مكة ولم يرجع إليها إلا مع جيش المكيين يوم أحد.

وقد اجتمع العرب على ما دعتهم إليه قريش، غير أنهم رفضوا الخروج بالنسوة، وقالوا: إننا نخشى أن تكون الدائرة علينا، ونعيش العار والفضيحة1.

ج- اصطحاب قريش للنسوة:

خرجت قريش بحدها، وجدها، وحديدها، وأحابيشها، ومن تابعها من بني كنانة، وأهل تهامة، ثم أمر أبو سفيان باصطحاب عدد من النسوة ليباشرن عملية التحريض، ويقمن بشحن المقاتلين، ومنعهم من الفرار حرصًا على الكرامة وحماية للعرض، فلما وجه أبو سفيان قومه لذلك خرج كبارهم بالظعن معهم التماس الحفيظة والحماسة، وبذل أقصى الجهد لحماية العرض والشرف، وقد بلغ عدد الخارجات خمس عشرة امرأة كلهن من قريش بعد أن رفض الأعراب والأحابيش خروج النساء.

وقد خرج أبو سفيان بن حرب وهو قائد الناس بهند بنت عتبة زوجته.

وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة.

وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة.

وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وهي أم عبد الله بن صفوان بن أمية.

1 المغازي ج1 ص201، 202.

ص: 325

وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد الله بن عمرو وخرج طلحة بن أبي طلحة، وأبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية وهي أم بني طلحة مسافع، والجلاس، وكلاب وقد قتلوا يومئذ مع أبيهم.

وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزيز بن عمير، وهي أم مصعب بن عمير.

وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة.

وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها قالت: ويها أبا دسمة اشف واستشف، وكان وحشي يكنى بأبي دسمة1.

وكان لهؤلاء النسوة دور بارز خلال المعركة، فكن ينشدن الشعر، ويحمسن الرجال، ويخوفونهم من عار الهزيمة وذل الانكسار، الأمر الذي ظهر أثره في سير القتال يوم "أحد".

د- التحرك نحو المدينة:

تابع جيش مكة سيره على الطرق الغربية الرئيسية المعتادة، ولما وصل إلى "الأبواء"2. اقترحت هند بنت عتبة -زوج أبي سفيان- أن ينبش القرشيون قبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة رضي الله عنها، بيد أن قادة الجيش رفضوا هذا الطلب، وحذروا من العواقب الوخيمة التي تلحقهم لو فتحوا هذا الباب، فلعل الدارة تكون عليهم؛ ولأنه عمل يجلب الخزي والعار لفاعله3.

واصل جيش مكة سيره حتى اقترب من المدينة فاستراح عند مدينة تسمى "الصمغة" وأطلق الإبل والخيل ترعى، وبعدها تابع الجيش مسيرته، فسلك وادي العقيق، ثم انحرف منه إلى ذات اليمين، حتى نزل قريبًا من جبل "أحد" في مكان يقال له عينين4، في بطن السبخة، ومن قناة على شفير الوادي، الذي يقع شمالي المدينة، فعسكر هناك يوم الجمعة

1 سيرة الرسول ج2 ص60.

2 الأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء قرية صغيرة قرب المدينة.

3 المغازي ج1 ص206.

4 عينين "بفتح العين تثنية عين" اسم من أسماء جبل أحد، أو اسم جزء منه.

ص: 326

السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة1.

هـ- التعبئة النفسية:

أدى اصطحاب النسوة إلى بعث روح الحماس في جيش قريش، فقد كن يولولن ويذكرن بقتلى "بدر" ويدرن على المقاتلين محرضات حتى لا يضعفون.

وقد أخذ أبو سفيان يحرض رجاله كذلك على الثبات والقتال بوسائل ماكرة، فقال لأصحاب اللواء من بني عبد الدار: يا بني عبد الدار، إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا، ستعلم غدًا إذا التقينا كيف نصنع! وذلك الذي أراده أبو سفيان.

وشاركت هند زوجها أبا سفيان في هذه المهمة مع باقي النسوة، فإنه لما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضنهم على القتال، فقالت هند فيما تقول:

ويها بني عبد الدار

ويها حماة الأدبار

ضربًا بكل بتار

وتقول:

إن تقبلوا نعانق

ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

و الحرب المعنوية:

قبيل نشوب المعركة حاولت قريش إيقاع الفرقة والنزاع داخل صفوف المسلمين فأرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول لهم: خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا إلى قتالكم، ولكن أين هذه المحاولة أمام إيمان الأنصار الراسخ، ولذا رد عليه الأنصار ردًا عنيفًا، وأسمعوه ما يكره.

1 المغازي ج1 ص207.

ص: 327

واقتربت ساعة الصفر، وتدانت الفئتان، فقامت قريش بمحاولة أخرى لنفس الغرض، فقد خرج إليهم عميل خائن يسمى أبو عامر الفاسق، واسمه عبد عمرو بن صيفي، وكان يسمى الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، وكان رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به، وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة، فخرج من المدينة، وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحضهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه، ومالوا معه، فكان أول من خرج إلى المسلمين في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى قومه وتعرف عليهم، وقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر فقالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق.

فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر وقاتلهم قتالا شديدًا ورماهم بالحجارة.

وهكذا فشلت قريش في محاولتها الثانية للتفريق بين صفوف أهل الإيمان مما جعلهم يزدادون خوفًا من المسلمين، ويمتلئون هيبة من لقائهم1.

ز- عدة الجيش المكي وتنظيمه:

تجمع مشركو مكة، والأحباش، وأعراب البوادي، وبنو ثقيف لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصار المدينة حتى بلغ عددهم ألفين وتسعمائة مقاتل، منهم سبعمائة دارع، والباقون رماة وكان مع الجيش مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير بالإضافة إلى ما كان معهم من نساء.

سار الجيش المكي حتى قرب من المدينة وعند "أحد" نظم القرشيون جيشهم للقتال فاصطفوا صفًا واحدًا، وأمنوا الميمنة، والميسرة، فجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وحمل اللواء طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، وولوا قيادة الخيل لـ"صفوان بن أمية" وجعلوا قيادة الرماة لـ"عبد الله بن أبي ربيعة"2.

وتولى القيادة العامة أبو سفيان بن حرب لهلاك أكابرهم في "بدر".

1 السيرة النبوية ج2 ص67.

2 سيرة النبي ج2 ص67.

ص: 328