الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على حمايتهم وبدأت تشك في قوتهم وصمودهم.
ورأى المكيون كذلك أن الوثنيين، وأعراب البوادي، واليهود يشاركونهم في كراهية الإسلام، والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاتصلوا بهم، وتصوروا أن اتحادهم في الهدف سبب رئيسي لتوحيد صفوفهم أمام المسلمين، الأمر الذي يؤدي إلى قهر المسلمين، والقضاء عليهم وعلى دعوتهم، ولذلك نشطوا في الإعداد للحرب، وأسرعوا في مهاجمة المسلمين، وجمعوا ما أمكنهم من العتاد والعدة وتحركوا لحرب المسلمين فكانت وقعة "أحد".
ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال
موقف المشركين
…
ثانيًا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنوايا القرشيين، فأخذ يعد للأمر عدته، واجتهد القرشيون في تحقيق غاياتهم في محاربة المسلمين، والقضاء عليهم، وعلى دينهم، وتأمين حركتهم التجارية، وتأديب أي خارج عليهم، وانطلقوا بجمعهم إلى المدينة، فوقعت الوقعة المعروفة في "أحد" وكان لكل فريق موقفه، وخطته، ولذلك لزم معرفة موقف كل طرف قبل المعركة.
1-
موقف المشركين:
اتخذ القرشيون صورًا عملية عديدة بعد هزيمة "بدر" مباشرة، واستمرت جهودهم على نشاطها حتى وقعت المعركة، فلقد نشطوا في جمع الأموال، وتكثير الجنود والتأثير على القبائل، وخططوا لتحركهم بدقة عالية، لكن الله غالب على أمره ومن أهم مواقفهم ما يلي:
أ- الإعداد المالي:
بدأ القرشيون يعدون للحرب عقب "بدر" مباشرة، وبدءوا في جمع أموال يستعدون بها، فلما رجعوا إلى مكة من "بدر" وجدوا العير التي عاد بها أبو سفيان
موقوفة عند دار الندوة، لم توزع لأصحابها بعد، فمشى إلى أبي سفيان مجموعة من أشراف مكة هم: الأسود بن المطلب بن أسد، وجبير بن مطعم، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة، وحويطب بن عبد العزى، وحجير بن أبي إهاب، فقالوا: يا أبا سفيان، انظر هذه العير التي قدمت بها فاحتبسها، فقد عرفت أنها أموال أهل مكة، ولطيمة قريش، وهم طيبوا الأنفس، يجهزون هذه العير جيشًا كثيفًا إلى محمد، وأنت ترى من قتل من آبائنا وأبنائنا وعشائرنا وأهلنا.
قال أبو سفيان: وهل طابت أنفس قريش بذلك؟
قالوا نعم.
قال: فأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي، فأنا والله الموتور الثائر قد قتل ابني حنظلة وأشراف قومي ببدر فلم تزل العير موقوفة حتى تجهزوا، واقترب موعد الخروج إلى أحد.
قالوا: يا أبا سفيان، بع العير ثم اعزل أرباحها، وكانت العير ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، وكانوا يربحون في تجارتهم للدينار دينارًا، وكان متجرهم من الشام غزة لا يعدونها إلى غيرها، وكان أبو سفيان قد حبس عير بني زهرة لأنهم رجعوا من طريق بدر ولم يقاتلوا، وسلم ما كان لمخرمة بن نوفل، ولبني أبيه، وبني عبد مناف بن زهرة، فأبى مخرمة أن يقبل عيره حتى يسلم إلى بني زهرة جميعًا.
وتكلم الأخنس فقال: ما لعير بني زهرة من بين عيرات قريش؟
قال أبو سفيان: لأنهم رجعوا عن قريش.
قال الأخنس: أنت أرسلت إلى قريش أن ارجعوا فقد أحرزنا العير، لا تخرجوا في غير شيء، فرجعنا، فأخذت زهرة عيرها، وأخذ أقوام من أهل مكة كل ما كان لهم في العير1.
وهكذا اجتمعت قريش على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفعوا أموالهم للإعداد
1 المغازي ج1 ص199، 200.
وجلب العدد، وأخذوا يحرضون غيرهم معهم، فوافقهم الأحباش وهم أقوام من غير العرب، وقبائل كندة، وأهل تهامة، وغيرهم.
ب- التعبئة العامة للمشركين:
نشط المكيون في جمع أكبر عدد لقتال المسلمين، فأخذوا يمرون على القبائل ويدورون على سائر المجتمعات العربية، مستفيدين في ذلك بشعرائهم ومشاهيرهم، وخطبائهم فاجتمعوا على أن يبعثوا أربعة من قريش لهذه المهمة، فبعثوا عمرو بن العاص وهبيرة بن أبي وهب، وابن الزبعرى، وأبا عزة الجمحي.
وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي من الشعراء المشهورين، المعروفين عند الناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منّ عليه يوم "بدر" وأطلق سراحه بلا فداء لأنه كان فقيرًا ذا عيال وحاجة، فلما عرضوا عليه أن يشترك معهم في التحريض على قتال المسلمين، عرفهم بأنه مدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين منّ عليه، وأطلق سراحه يوم "بدر"، بلا فداء بسبب عوزه وبنيه، ورفض أن يشترك معهم.
فقال له صفوان بن أمية: يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر، فأعنا بلسانك، فأخرج معنا فقال له أبو عزة: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه.
قال صفوان: فأعنا بنفسك، فلك الله إن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي، يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، وما زال به حتى وافق على الخروج معهم.
فخرج أبو عزة في تهامة يحرضهم ويهيجهم بشعره وخطبه.
وخرج مسافح بن عبد مناف بن وهب إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودعا جبير بن مطعم غلامًا له حبشيًا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق.
وقصد المكيون كل من أصيب ببدر في ماله وأهله، ودفعوهم إلى المشاركة بالمال أو بالنفس، أو بالتحريض لقتال المسلمين، ورحبوا بكل قادم غريب ليكون معهم في حربهم ضد المسلمين.
ولحق أبو عامر الفاسق بالمكيين وخرج إليهم في خمسة عشر رجلا من الأوس، وتابع قريشًا وسار معها، وهو يعدها أن قومه يؤازرونهم.
واسم أبي عامر هذا: عبد عمرو بن صيفي الراهب، وكان رأس الأوس في الجاهلية وكان مترهبًا، فلما جاء الإسلام خذل، فلم يدخل فيه، وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فخرج من المدينة إلى مكة ولم يرجع إليها إلا مع جيش المكيين يوم أحد.
وقد اجتمع العرب على ما دعتهم إليه قريش، غير أنهم رفضوا الخروج بالنسوة، وقالوا: إننا نخشى أن تكون الدائرة علينا، ونعيش العار والفضيحة1.
ج- اصطحاب قريش للنسوة:
خرجت قريش بحدها، وجدها، وحديدها، وأحابيشها، ومن تابعها من بني كنانة، وأهل تهامة، ثم أمر أبو سفيان باصطحاب عدد من النسوة ليباشرن عملية التحريض، ويقمن بشحن المقاتلين، ومنعهم من الفرار حرصًا على الكرامة وحماية للعرض، فلما وجه أبو سفيان قومه لذلك خرج كبارهم بالظعن معهم التماس الحفيظة والحماسة، وبذل أقصى الجهد لحماية العرض والشرف، وقد بلغ عدد الخارجات خمس عشرة امرأة كلهن من قريش بعد أن رفض الأعراب والأحابيش خروج النساء.
وقد خرج أبو سفيان بن حرب وهو قائد الناس بهند بنت عتبة زوجته.
وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة.
وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة.
وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وهي أم عبد الله بن صفوان بن أمية.
1 المغازي ج1 ص201، 202.
وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد الله بن عمرو وخرج طلحة بن أبي طلحة، وأبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية وهي أم بني طلحة مسافع، والجلاس، وكلاب وقد قتلوا يومئذ مع أبيهم.
وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزيز بن عمير، وهي أم مصعب بن عمير.
وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة.
وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها قالت: ويها أبا دسمة اشف واستشف، وكان وحشي يكنى بأبي دسمة1.
وكان لهؤلاء النسوة دور بارز خلال المعركة، فكن ينشدن الشعر، ويحمسن الرجال، ويخوفونهم من عار الهزيمة وذل الانكسار، الأمر الذي ظهر أثره في سير القتال يوم "أحد".
د- التحرك نحو المدينة:
تابع جيش مكة سيره على الطرق الغربية الرئيسية المعتادة، ولما وصل إلى "الأبواء"2. اقترحت هند بنت عتبة -زوج أبي سفيان- أن ينبش القرشيون قبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة رضي الله عنها، بيد أن قادة الجيش رفضوا هذا الطلب، وحذروا من العواقب الوخيمة التي تلحقهم لو فتحوا هذا الباب، فلعل الدارة تكون عليهم؛ ولأنه عمل يجلب الخزي والعار لفاعله3.
واصل جيش مكة سيره حتى اقترب من المدينة فاستراح عند مدينة تسمى "الصمغة" وأطلق الإبل والخيل ترعى، وبعدها تابع الجيش مسيرته، فسلك وادي العقيق، ثم انحرف منه إلى ذات اليمين، حتى نزل قريبًا من جبل "أحد" في مكان يقال له عينين4، في بطن السبخة، ومن قناة على شفير الوادي، الذي يقع شمالي المدينة، فعسكر هناك يوم الجمعة
1 سيرة الرسول ج2 ص60.
2 الأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء قرية صغيرة قرب المدينة.
3 المغازي ج1 ص206.
4 عينين "بفتح العين تثنية عين" اسم من أسماء جبل أحد، أو اسم جزء منه.
السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة1.
هـ- التعبئة النفسية:
أدى اصطحاب النسوة إلى بعث روح الحماس في جيش قريش، فقد كن يولولن ويذكرن بقتلى "بدر" ويدرن على المقاتلين محرضات حتى لا يضعفون.
وقد أخذ أبو سفيان يحرض رجاله كذلك على الثبات والقتال بوسائل ماكرة، فقال لأصحاب اللواء من بني عبد الدار: يا بني عبد الدار، إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا، ستعلم غدًا إذا التقينا كيف نصنع! وذلك الذي أراده أبو سفيان.
وشاركت هند زوجها أبا سفيان في هذه المهمة مع باقي النسوة، فإنه لما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضنهم على القتال، فقالت هند فيما تقول:
ويها بني عبد الدار
…
ويها حماة الأدبار
ضربًا بكل بتار
وتقول:
إن تقبلوا نعانق
…
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
…
فراق غير وامق
و الحرب المعنوية:
قبيل نشوب المعركة حاولت قريش إيقاع الفرقة والنزاع داخل صفوف المسلمين فأرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول لهم: خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا إلى قتالكم، ولكن أين هذه المحاولة أمام إيمان الأنصار الراسخ، ولذا رد عليه الأنصار ردًا عنيفًا، وأسمعوه ما يكره.
1 المغازي ج1 ص207.
واقتربت ساعة الصفر، وتدانت الفئتان، فقامت قريش بمحاولة أخرى لنفس الغرض، فقد خرج إليهم عميل خائن يسمى أبو عامر الفاسق، واسمه عبد عمرو بن صيفي، وكان يسمى الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، وكان رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به، وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة، فخرج من المدينة، وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحضهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه، ومالوا معه، فكان أول من خرج إلى المسلمين في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى قومه وتعرف عليهم، وقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر فقالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق.
فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر وقاتلهم قتالا شديدًا ورماهم بالحجارة.
وهكذا فشلت قريش في محاولتها الثانية للتفريق بين صفوف أهل الإيمان مما جعلهم يزدادون خوفًا من المسلمين، ويمتلئون هيبة من لقائهم1.
ز- عدة الجيش المكي وتنظيمه:
تجمع مشركو مكة، والأحباش، وأعراب البوادي، وبنو ثقيف لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصار المدينة حتى بلغ عددهم ألفين وتسعمائة مقاتل، منهم سبعمائة دارع، والباقون رماة وكان مع الجيش مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير بالإضافة إلى ما كان معهم من نساء.
سار الجيش المكي حتى قرب من المدينة وعند "أحد" نظم القرشيون جيشهم للقتال فاصطفوا صفًا واحدًا، وأمنوا الميمنة، والميسرة، فجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وحمل اللواء طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، وولوا قيادة الخيل لـ"صفوان بن أمية" وجعلوا قيادة الرماة لـ"عبد الله بن أبي ربيعة"2.
وتولى القيادة العامة أبو سفيان بن حرب لهلاك أكابرهم في "بدر".
1 السيرة النبوية ج2 ص67.
2 سيرة النبي ج2 ص67.