الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر
مدخل
…
المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر
استقر المسلمون في المدينة، وأخذوا يحيون الإسلام المنزل عليهم قولا وعملا، وظهرت قوتهم في دولة للإسلام، واجتهدوا بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ الإسلام، والدعوة لدين الله تعالى.
ولم يتوقف القرشيون عن محاولاتهم في صد الناس عن دين الله، وإعداد العدة للقضاء على المسلمين في المدينة، فأخذوا في تحريض أعراب البوادي، وتأليب قبائل العرب، وتهييج اليهود ليكونوا جميعًا معهم فيما يعملون له.
وشعر المسلمون أن قريشًا تتعامل مع القبائل المحيطة بالمدينة، والتي تسكن الطريق إلى مكة، للتحرك في أمان ويسر، وتنتقل بقوافلها التجارية في طمأنينة واستقرار، وفي نفس الوقت تحرم المسلمين من الخروج من المدينة، ودعوة هؤلاء الناس.
واستفادت قريش بما أشاعته كذبًا في أن محمدًا وأصحابه فروا من مكة خوفًا، وضعفًا، وبذلك تعاون الأعراب معها، وتصوروا الأمر كما زعم القرشيون.
وأخذ القرشيون يتفاخرون بالاستيلاء على أموال المهاجرين، بلا رادع يردعهم أو أناس يخافون منهم، ويعلنون أن قوتهم غالبة، ودينهم صحيح.
وهذه أمور تؤثر في نفوس العرب، وتدفعهم بعيدًا عن تصور الحق، أو البحث عنه ما دام الوضع كما سمعوا وتصوروا.
ولم يغب هذا الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أن الحركة بالدعوة في هذه الظروف تحتاج إلى تصرف عملي، يصحح مفاهيم الناس، ويظهر القوة الإسلامية، ويبعد الأعراب والقبائل المحيطة بالمدينة عن أكاذيب قريش، ويبين لقريش أن حقوق المهاجرين لن تضيع، وأن قوة المدينة ثابتة بموقعها، وبرجالها المؤمنين، وبصدق ما تدعو إليه، وفوق ذلك بمعية الله لها.
وصار من الضروري إظهار الإسلام بصفاته، ونقائه، وإنقاذه من غبش الطغاة، وأكاذيب المفترين.
وقد اقتضى هذا الوضع حتمية القيام بما عرف بـ"السرايا والغزوات". هي عبارة عن دوريات، أو مفارز مكونة من عدد من الرجال، ومعهم سلاحهم البسيط للقيام بعمليات الاستطلاع، والتعرف على الطرق، واكتشاف المسالك المؤدية إلى المدينة، وإلى مكة، والتعرف للقوافل المكية الذاهبة إلى الشام، أو إلى اليمن، وعقد المعاهدات مع من يقبل من العرب وسكان البوادي، وإبراز قوة المسلمين أمام مشركي العرب، ويهود المدينة، والأعراب، ليعلموا جميعًا أن المسلمين أقوياء، وأنهم تخلصوا من الضعف الذي عاشوه في مكة، وأيضًا لإنذار أهل مكة ليفيقوا من غفلتهم، وليدعوا إيذاء المسلمين، ويتركوا العدوان عليهم، وينتهوا عن صد الناس عن دين الله تعالى، ويمتنعوا عن نشر الأكاذيب وتضليل الناس.
والغزو: هو السير إلى القتال في عدد قليل أو أكثر، والغزوة المرة الواحدة، وجمعها غزوات1.
والسرية: عدد مسلح من الرجال لا يقل عن خمسة ولا يزيد عن أربعمائة، يسبقون الجيش للحصول على معلومات، وأخبار، وسميت السرية بالسرية لتحركها خفية وسرًا، أما الغزوة فإنها تخرج ظاهرة غالبًا2.
يقول ابن الأثير: السرية من الجيش الطائفة يبلغ أقصاها أربعمائة من المقاتلين الأشداء وتخرج خفية وسرًا3.
وقد اصطلح علماء السيرة على أن الجماعة التي يقودها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى "غزوة" والجماعة التي يقودها أحد الصحابة تعرف بـ"السرية".
وقد غزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوات عدة منها:
غزوة الأبواء، ويقال لها "ودان"، ثم غزوة بواط، ثم غزوة سفوان، وهي بدر
1 لسان العرب مادة غزا، سرا.
2 لسان العرب مادة غزا، سرا.
3 البداية والنهاية لابن الإثير ج2 ص159 وعدد الخارجين إن كان أقل من عشرة يسمى "بعثا" وإن كان أقل من أربعين يسمى "حضيرة" و"عصبة" والأربعمائة "سرية" فإن زاد فهو "كتيبة"، والخمسمائة "منسر" والثمانمائة "جيش" والآلاف "جحفل" وقد تنوب الأسماء عن بعضها مجازًا.
الأولى، ثم غزوة العشيرة، ثم غزوة بدر الكبرى، ثم غزوة بني سليم، ويقال لها: قرقرة الكدر، ثم غزوة السويق، ثم غزوة غطفان، وهي غزوة ذي أمر، ثم غزوة الفرع، ثم غزوة بني قينقاع، ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة بدر الأخيرة، وهي غزوة بدر الموعد، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة بني المصطلق وهي المريسيع، ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان، ثم غزوة الحديبية، ثم غزوة ذي قرد، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب وبني ثعلبة، ثم غزوة عمرة القضاء، ثم غزوة فتح مكة، ثم غزوة حنين، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة تبوك وفي بعض ذلك تقديم وتأخير عند الرواة والمحدثين.
والغزوات الكبار الأمهات ثمان هي:
بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، والحديبية، والفتح، وحنين، وتبوك.
وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن، ففي بدر نزل قرآن كثير من سورة الأنفال وفي "أحد" نزل آخر آل عمران من قوله تعالى:{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1 إلى قبيل آخرها بيسير.
وفي قصة الخندق وقريظة نزل صدر سورة الأحزاب.
وفي بني النضير نزلت سورة الحشر.
وفي قصة الحديبية وخيبر نزلت سورة الفتح، وأشير فيها إلى الفتح وهو الحديبية.
وفي فتح مكة نزلت سورة النصر.
وذكرت تبوك في سورة براءة.
وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة "أحد" فقط.
وقاتلت معه الملائكة في بدر، وحنين، وأحد على خلاف في الثالثة.
ونزلت الملائكة يوم الخندق، فزلزلوا المشركين، وهزموهم، ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصباء في وجوه المشركين فهربوا، وكان الفتح في غزوتين: بدر، وحنين.
وقاتل المسلمون بالمنجنيق في غزوة واحدة وهي الطائف، وتحصن المجاهدون بالخندق في واحدة هي الأحزاب، وهو الخندق الذي أشار به سلمان الفارسي رضي الله عنه2.
1 سورة آل عمران: 121.
2 أوصل الحاكم النيسابوري عدد غزوات رسول الله وسراياه إلى ما فوق المائة.