الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة
مدخل
…
المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة
أتم المسلمون نحر هديهم، وحلقوا رءوسهم، وبدءوا في الرحيل من الحديبية بعد عشرين يومًا مكثوا فيها، وكان الجو شديد الحرارة، والماء لدى المسلمين قليل، فأكرمهم الله تعالى بنزول المطر فشربوا، وارتووا، ونظفوا رحالهم، وملابسهم.
كان صلح الحديبية هو الفتح المبين للإسلام، لأنه حقق ما كان يأمله النبي صلى الله عليه وسلم حيث انفتحت السبل أمام الدعوة، وصارت الحركة بالإسلام آمنة، وشعر المسلمون لأول مرة أن القرشيين انكفئوا على مصالحهم، وأخذوا يركزون على تجارتهم بعدما تأكدوا من عجزهم عن محاصرة الإسلام، والقضاء على محمد صلى الله عليه وسلم.
وشعرت القبائل العربية، والأعراب أنهم أمام الإسلام وجهًا لوجه، يسمعون دعوته، ويعلمون حقيقته، ويقفون على محاسنه ومزاياه؛ ولذلك وجدناهم لا ينتظرون مجيء الدعاة إليهم، وإنما أخذوا يفدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.
وحين ننظر إلى مسرح الأحداث في مجمل الجزيرة العربية نلحظ صورًا متعددة، حيث اتخذ كل فريق موقفًا ارتضاه لنفسه.
ففي جبهة مكة أخذ القرشيون يهتمون بمصالحهم الذاتية بعدما تيقنوا أن الأمر أفلت من أيديهم، واتضح لهم أن تجمع الأحزاب، وتأليب القبائل لا يفيدهم شيئًا، وكان تعاهدهم مع المسلمين على إيقاف الحرب بينهم يوم الحديبية هو عملهم الذي أخذوا يتحركون من خلاله.
أما اليهود في منطقة خيبر وحولها، فقد فوجئوا بانسحاب قريش من المواجهة فبدءوا في تكوين تكتل جديد من بعض القبائل ليعملوا معًا لمحاربة الإسلام والمسلمين.
وأما أغلب القبائل في الجزيرة العربية فقد رأت في الهدنة بين قريش والمسلمين انتصارًا للصمود الإسلامي، وبيانًا واضحًا لما ينادي به المسلمون من حق وصواب؛ ولذلك أخذوا في تفهم الإسلام، ومعرفة حقيقته، وصدقه.
ولم يبق من قبائل الجزيرة إلا عدد قليل منها، لم ترض بالهدوء والأمن فأخذت
توجه إمكاناتها الضعيفة ضد الإسلام والمسلمين.
ووجد المسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أنهم أمام توجيهات مختلفة لا بد أن يتعاملوا مع كل منها بما يناسبها؛ ولذلك تنوعت أعمال المسلمين، وتضاعفت حركاتهم بدين الله تعالى.
لم يكن صلح الحديبية فرصة يستريح فيها المسلمون من شدة الجهاد، وصعوبة الحركة بدين الله تعالى.
وإنما كان الصلح بداية لجهد شاق، وعمل دءوب عاشه المسلمون جميعًا انتصارًا للحق، وتأييدًا لدين الله تعالى.
لقد بدأ المسلمون في المدينة يتصلون بإخوانهم في مكة، يشدون أزرهم، وينصحونهم بما يحتاجون إليه، ويدلونهم على كثير مما يحتاجون إليه.
وأخذوا كذلك في الذهاب إلى أطراف العالم كله يبلغوه دين الله تعالى، ويحملون رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شيوخ القبائل، وملوك العالم، وسلاطين الدنيا.
واستمروا في التصدي لليهود الذين اتخذوا من خيبر منطقة معادية للمسلمين، فأقاموا فيها حصونهم، وجمعوا الناس حولهم، وأخذوا يبثون في قبائل الأطراف التمرد على المسلمين، ويستعدون الرومان وأعوانهم للعمل ضد محمد ودينه.
وقد عاشت المدينة المنورة نشاطًا واسعًا بعد الحديبية.
وفي هذا المبحث سنتناول أهم الأحداث وبخاصة كيفية تعامل المسلمين مع كل الفرقاء على كثرتهم وذلك فيما يلي: