الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة
أولا: أكله
…
المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة
النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوة المسلمين على الزمن كله، وطريق الناس لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة، وكافة أنشطته تشريع متبع إلا ما بين أنه خاص به صلى الله عليه وسلم.
ولذلك كانت الحاجة إلى تحديد ملامح حياته الشخصية صلى الله عليه وسلم إبرازًا لسيرته رضي الله عنه وتحديدًا لمعالم الصورة الإسلامية التي يتمناها كل مخلص، تنفيذًا لقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} 1.
ومن صور حياته الشخصية نذكر ما يلي:
أولا: أكله صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم يبدأ طعامه بالتسمية، ويأكل بيمينه، ويأكل مما يليه، وكان يعلم ذلك من يأكل معه، فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال: كنت غلامًا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي صلى الله عليه وسلم:"يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"، فما زالت تلك طعمتي بعد2.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا، ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"3.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا دعي لطعام أجاب فإذا انتهى من الطعام قال: "أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة الأطهار وذكركم الله فيمن عنده"4.
1 سورة الأحزاب: 21.
2 صحيح مسلم، كتاب الأشربة باب آداب الطعام ج4 ص705 الشعب.
3 صحيح مسلم بشرح النووي. ك إجابة الدعوة ج3 ص703 الشعب.
4 صحيح مسلم بشرح النووي إجابة الدعوة ج3 ص601.
وعند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عند سعد بن عبادة ثم قال: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة"1.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يحبس نفسه على نوع واحد من الأغذية، وكان لا يجمع بين حارين، ولا باردين، ولا سهلين، ولا قابضين، ولا غليظين، ولم يأكل طعامًا قط في حال شدة حرارته، ولا شيئًا من الأطعمة العفنة2.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يملأ بطنه بالطعام، وينصح أصحابه بذلك، ويقول لهم صلى الله عليه وسلم:"ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"3.
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل على الأرض، ويجلس على الأرض4.
يقول أنس بن مالك: ما أكل نبي الله صلى الله عليه وسلم على خوان، ولا سكرجة، ولا خبز مرقق، فقلت لقتادة: فعلام كانوا يأكلون؟
قال: على السفر؟ 5.
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل التمر وترًا، وكان لا يجمع بين التمر والنوى في طبق واحد، ولا يجمع النوى في كفه، بل يسقط النوى على ظهر كفه ثم يلقيها، وأحيانًا كان يرفع النوى، بأصبعيه ثم يلقيها6.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب أكل التمر بعد غليه بالسمن، وخلطه باللبن، وهو المعروف بـ"الحيس"، وكان هو الطعام الذي صنعه يوم بنى بـ"صفية بنت حيي".
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الزبد بالتمر7.
1 سنن أبي داود. كتاب الأطعمة باب ما يقول الرجل إذا طعم ج2 ص330.
2 زاد المعاد ج1 ص147.
3 سنن الترمذي كتاب الزهد باب كراهية كثرة الأكل ج4 ص590.
4 زاد المعاد ج1 ص147.
5 صحيح البخاري بشرح فتح الباري. كتاب الأطعمة ج9 ص530، الخوان: المرتقع المعد للأكل مثل الخوان "الترابيرة" والسكرجة أوان معدة للمشهيات، والسفر ما يمد ويبسط على الأرض، كالمفرش وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم.
6 صحيح مسلم بشرح النووي. ك الأطعمة. ب وضع النووي ج4 ص734 الشعب.
7 صحيح مسلم بشرح النووي. كتاب الأطعمة. باب وضع النووي ج4 ص734.
وكان رضي الله عنه يأكل البطيخ بالرطب، ويأكل القثاء بالرطب كذلك1.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل2.
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل زيت الزيتون، ويحث عليه، ويقول: كلوا الزيت، وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة.
وكان يأكل الدجاج، ويحب الدباء3 وهو القرع ويسمى اليقطين، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الثريد، ويفضله على سائر الطعام، كما يفهم من ثنائه على أم المؤمنين عائشة يقول صلى الله عليه وسلم:"فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"4.
والثريد خبز مبلل بمرق، وعليه اللحم، وهو الذي يعرف بـ"الفتة".
وكان صلى الله عليه وسلم يكتفي بالطعام القليل، ولم يكن همه الأكل والشبع.
وكان صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة خاويًا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير.
عن عروة عن عائشة أنها كانت تقول: والله يابن أخي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار.
قلت يا خالة: فما كان يعيشكم؟
قالت: الأسودان، التمر، والماء. إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم، فيسقيناه5.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل عليه السلام على الصفا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل، والذي بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سفه من دقيق، ولا كف من سويق". فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدة من السماء أفزعته
1 صحيح البخاري كتاب الأطعمة باب أكل الرطب بالقثاء ج9 ص564.
2 صحيح البخاري كتاب الأطعمة باب الحلواء والعسل ج9 ص36.
3 صحيح البخاري ك الأطعمة باب الدباء ج9 ص37.
4 صحيح مسلم بشرح النووي كتاب فضائل عائشة ج5 ص302 الشعب.
5 صحيح البخاري كتاب الرقاق باب عيسى النبي وأصحابه ج10 ص146.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أمر الله القيامة أن تقوم"؟.
قال جبريل: لا، ولكن أمر إسرافيل، فنزل إليك حين سمع كلامك.
فأتاه إسرافيل فقال: إن الله سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض عليك أن تكون جبال تهامة زمردًا، وياقوتًا، وذهبًا، وفضة، فإن شئت نبيًا ملكًا وإن شئت نبيًا عبدًا، فأومأ إليه جبريل أن تواضع.
فقال صلى الله عليه وسلم: "بل نبيًا عبدًا
…
ثلاثًا" 1.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع الطعام من بين يديه يقول: "الحمد لله حمدًا كثيرًا، طيبًا، مباركًا، غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا عز وجل".
وكان صلى الله عليه وسلم يقول إذا فرغ من طعامه: "اللهم لك الحمد، أطعمت وسقيت، وأشبعت ورويت، فلك الحمد"2.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم، من علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد الله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد لله رب العالمين".
وربما قال: "الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوغه"3.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها"4.
ولم يعب صلى الله عليه وسلم طعامًا قط إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه5.
1 منتقى النقول ص402.
2 بغية الرائد ج5 ص30.
3 زاد المعاد ج1 ص148، 149.
4 سنن الترمذي باب ما جاء في الحمد على الطعام إذا فرغ منه ج4 ص265.
5 صحيح البخاري كتاب الأطعمة باب ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا ج9 ص30.