الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
استعداد المسلمين لفتح مكة:
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزو مشركي مكة، وأمر عائشة أن تستعد لذلك، وأمرها أن لا تخبر أحدًا بجهة الغزو ليأخذ القرشيين على غرة.
وعين صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب على أطراف المدينة ليتحفظ على من يأتي المدينة من غير أهلها، ويرقب الحركة منها وإليها.
ودخل أبو بكر رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها: وهي تجهز للسفر، وتعمل قمحًا سويقًا ودقيقًا، فقال: يا عائشة أهم رسول الله بغزو؟
قالت: ما أدري.
قال: إن كان هم بسفر فأعلمينا نتهيأ له.
قالت: ما أدري، لعله يريد بني سليم، لعله يريد ثقيفًا، لعله يريد هوازن، فاستعجمت عليه وحافظت على أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فقال له أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أردت سفرًا؟
قال صلى الله عليه وسلم: "نعم".
قال أبو بكر: أفأتجهز؟
قال صلى الله عليه وسلم: "نعم".
قال أبو بكر: فأين تريد يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وسلم: "قريشًا وأخف ذلك يا أبا بكر".
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالاستعداد للجهاد وطوى عنهم الوجه الذي يريد.
قال أبو بكر: يا رسول الله! أوليس بيننا وبينهم مدة.
قال: "إنهم غدروا ونقضوا العهد، فأنا غازيهم، واطو ما ذكرت لك".
ونشط المسلمون في الاستعداد، وبدأت القبائل تفد برجالها إلى المدينة بعدما أخبرهم بأهمية القدوم إليها وقال لهم:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأت المدينة". وبعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا، فقدمت أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، المدينة ولحقت بنو سليم بهم عند قديد1.
وأخذ المسلمون يفكرون في جهة غزوتهم التي جاءوا لها، فظان يظن أنها الشام وظان يظنها ثقيفًا، وظان يظن أنها هوازن.
ومن التورية على الناس، إرساله صلى الله عليه وسلم ابن ربعي في ثمانية نفر إلى بطن "إضم" ليصرف انتباه الناس عن مكة، وحتى يظن القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتجه باستعداداته لمساعدة من
1 إمتاع الأسماع ص361 إلى ص364.
أرسلهم إلى "إضم" وبخاصة أنها في اتجاه مكة.
فلما أجمع صلى الله عليه وسلم المسير إلى قريش وعلم بذلك الناس، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرهم، وكان كتابه موجهًا إلى ثلاثة نفر: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وفيه يقول: إن رسول الله قد أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد بكتابي إليكم.
وأعطى الكتاب إلى امرأة من مزينة من أهل العرج تسمى "سارة" وجعل لها عشرة دنانير على أن تبلغه قريشًا، وقال لها: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق المألوف بين مكة والمدينة فإن عليه حرسًا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، وسلكت طريقًا غير مألوف حتى لقيت الطريق بالعقيق، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث صلى الله عليه وسلم عليًا، والزبير رضي الله عنهما وقال لهما: أدركا امرأة من مزينة، قد كتب معها حاطب كتابًا يحذر قريشًا، فخرجا، فأدركاها، فاستنزلاها، والتمساه في رحلها فلم يجدا شيئًا فقالا لها: إنا نحلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبنا، ولتخرجن هذا الكتاب، أو لنكشفنك، فلما رأت منهما الجد قالت: أعرضا عني، فأعرضا عنها، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب.
فلما جاءا بالرسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا حاطبًا فقال: "ما حملك على هذا"؟.
فقال: يا رسول الله، والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم.
فقال عمر رضي الله عنه: قاتلك الله، ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بأطراف المدينة، ويراقب كل داخل إليها، وتكتب إلى قريش تحذرهم، دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق.
فقال صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك يا عمر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم"1. وأنزل الله تعالى في شأن حاطب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
1 صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الفتح ج7 ص3، 4.