الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال
بدأ الإذن بالقتال بعد الهجرة مباشرة لتنتهي مرحلة المقاومة السلبية وذلك بنزول قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} 1.
فالله سبحانه وتعالى حين أذن لهم في الذي كفهم عنه بين السبب في الإذن، وهو أنهم ظلموا خلال المرحلة المكية التي انتهت بإخراجهم، والاستيلاء على أموالهم، يقول الزمخشري: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤذيهم المشركون أذى شديدًا، فيأتون الرسول صلى الله عليه وسلم ما بين مضروب، ومشجوج، يتظلمون إليه، فيقول لهم:"اصبروا فإني لم أومر بقتال". حتى هاجر2.
وقد بدأت ملامح هذا الإذن خلال بيعة العقبة الثانية حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار على حمايته بما يحمون به أنفسهم وذراريهم وجرت خلال مفاوضات البيعة كلمات تشير إلى ضرورة الاستعداد للتصدي لعدوان من يعتدي على رسول الله وعلى دينه إذا قصدوا المدينة المنورة.
ولما تمت الهجرة بدت القوة الإسلامية وأصبح المسلمون مستعدين لملاقاة أعدائهم وفي إطار هذا الوضع نزل الإذن للمهاجرين بالقتال لاسترداد بعض حقهم.
وهكذا أذن الله لهم بالقتال بعد الهجرة، وبدأت مرحلة المواجهة الإيمانية، وهي المرحلة الثانية، وفيها نرى المهاجرين يتصرفون خلالها على أساس أنهم أصحاب حق مهان يجب أن يهاب، ومن حقهم أخذه بالظفر إن تمكنوا منه، ولذلك قاموا بعدد من السرايا والغزوات عقب الهجرة لإرهاب من ظلموهم، واستولوا على أموالهم، وحرموهم من ديارهم، وقد صحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض هذه الحملات الصغيرة التي حدثت بعد الهجرة، وقبل غزوة بدر الكبرى.
ولعل ما يؤكد ارتباط الإذن بالقتال بالمهاجرين وحدهم أن جميع المشتركين في هذه
1 سورة الحج: 39.
2 تفسير الزمخشري ج3 ص15 ط دار المعرفة.
السرايا كانوا من المهاجرين فقط، يؤكد ابن إسحاق أنهم جميعًا من المهاجرين فيذكر عقب حديثه عند كل سرية قوله: وليس من الأنصار معهم أحد، ويبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه من المهاجرين في أربع غزوات قبل بدر1.
وما ذكره بن إسحاق يؤكد أن سلبية المرحلة الأولى كانت ضرورة، فلما زال سببها أذن الله للمسلمين بالقتال؛ لاسترداد حقوقهم، في إطار المحافظة على حقوق الآخرين.
وإنما كان الإذن لازمًا في بداية المرحلة الثانية ليكون المسلمون في حل من الدفاع القتالي، وحتى لا يتخيلوا أن أوامر المصابرة وحدها هي أوامر هذه المرحلة أيضًا.
إن الإذن بالقتال لم ينسخ العفو والمصابرة حيث لا مناقضة بينهما؛ لأن الصبر طريق إعانة، والقتال يحتاج إليه، والعفو أسلوب دعوة، وتبليغ دين الله يقوم عليه.
والإذن بالقتال غير الأمر به، ولذا لم يشعر المؤمنون بفرضية القتال بعد هذا الإذن فكان خروجهم في بدر اختياريًا، بعدما علموا أن من خرج للقتال أثيب، ومن تخلف لم يحاسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ملاحظ في قلة عدد المسلمين الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر.
ولما كان الخروج اختياريًا في "بدر" وكان الإذن خاصًا بالمهاجرين فقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ رأى الأنصار في ميدان المعركة قبيل الاشتباك؛ لأنهم عنصر لم يكلف بالقتال لأنه لم يفرض بعد، ولم يظلم كالمهاجرين وأيضًا فإنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدفاع عنه ضد من يهاجمه في المدينة، وهو الآن خارجها، وكان اشتراكهم مع المهاجرين، وخروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرعًا محضًا، ردءًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومساعدة للمهاجرين وحبًا للجهاد في سبيل الله تعالى.
وكان القرشيون في بدر يعلمون أن المهاجرين وحدهم هم غرماؤهم، امتدادًا للحوادث القديمة، ولذلك حينما بدأت الحرب بالمبارزة خرج من المسلمين أنصار فأبى الكفار مقاتلتهم، وطلبوا أن يكون المبارزون من بني عمومتهم.
وقد استمرت هذه المرحلة الثانية مدة عاش المسلمون خلالها فترة التمهيد للمرحلة الثالثة
1 انظر سيرة النبي لابن هشام ج1 ص591 وما بعدها بتصرف.
ومن هذا التمهيد أن الله حثهم على الثبات في الحرب وأخبرهم بذلك ضمنيًا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} 1 فلقد شبه لهم الفرار بصورة مؤلمة وكأن من يفر من القتال يسلم دبره إلى أعدائه الزاحفين.
ومن هذا التمهيد أن الله تعالى أمرهم أمرًا صريحًا بالثبات حين المواجهة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 2 كما أمرهم بضرورة إحكام الضرب والنزال وتقييد الأسرى وحبسهم حتى ينتهي اللقاء، وعلى المؤمنين أن يثقوا في نصر الله تعالى ومعونته ما داموا على الحق سائرين فقال الله تعالى:{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} 3.
ومن هذا التمهيد قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} 4 لأن الإعداد المسبق، وتجهيز شئون القتال يخوف الأعداء، ويدخل الرعب في قلوبهم، الأمر الذي يكفهم عن القتال.
ومن التمهيد كذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ، الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ
1 سورة الأنفال: 15.
2 سورة الأنفال: 45.
3 سورة محمد الآيات من 4 إلى 7.
4 سورة الأنفال: 60.