الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
موقف المسلمين:
تأهبت قريش لقتال المسلمين، وأخذت عدتها لتثأر لهزيمتها في "بدر" وسارت نحو المدينة في قوات ضخمة، وأسلحة عديدة، دفعت المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسلوا له بخبر وسارت الأمور على نحو يحتم ضرورة القتال والمواجهة كما يتضح من النقاط التالية:
أ- العلم بموقف العدو:
أول من أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بما عزم عليه القرشيون العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب كتابًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رجل من بني غفار، يخبره بذلك، فقدم عليه الرجل وهو في قباء، فقرأه عليه أبي بن كعب، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي أن يكتم الخبر.
وقال له: "لا تطلع عليه أحدًا".
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس.
فقال: "والله إني لأرجو أن يكون في ذلك خير"1.
وقدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر وقد فارقوا قريشًا من ذي طوى، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مكة وانصرفوا2.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنسًا ومؤنسًا ابني فضالة ليلة الخميس عينين، فاعترضا لقريش بالعقيق، وعادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما رأوا3.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح فنظر إليهم، وعاد وقد حرز عددهم وما معهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا تذكروا من شأنهم حرفًا، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أجول، وبك أصول"4.
وطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الاستعداد لملاقاة الكفار، بعدما أشار إليهم وعرفهم.
1 المغازي ج1 ص206.
2 إمتاع الأسماع ج1 ص114.
3 إمتاع الأسماع ج1 ص115.
4 سيرة النبي ج2 ص63.
وباتت وجوه الأوس والخزرج ليلة الجمعة لست مضين من شوال، عليهم السلاح في المسجد، بباب النبي صلى الله عليه وسلم، خوفًا من بيات المشركين، وحرست المدينة حتى أصبحوا.
ب- رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا، فلما أصبح يوم الجمعة، واجتمع الناس خطب على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم، من عند ظبته -أي انكسر وتتلم من عند طرفه- ورأيت بقرًا تذبح، ورأيت كأني مردف كبشًا".
فقال الناس يا رسول الله، فما أولتها؟
قال صلى الله عليه وسلم: "أما الدرع الحصينة فالمدينة، فامكثوا فيها، وأما انقصام سيفي من عند ظبته فمصيبة في نفسي، أو قتل رجل من أهل بيتي وأما البقر المذبح فقتلى في أصحابي وأما أني مردف كبشًا فكبش الكتيبة نقتله إن شاء الله، ويراد به طلحة بن أبي طلحة"، وقد حدث1.
ج- المشاورة في خطة المواجهة:
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الرأي من الصحابة ليشتركوا معه في وضع خطة للجهاد، والمقاومة، فقال صلى الله عليه وسلم:"أشيروا عليّ أيها الناس".
فتكلم الصحابة، واختلفوا في الرأي، حيث رأى أغلبهم الخروج لملاقاة الكفار خارج المدينة ورأى القليل غير ذلك.
وكان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يخرج من المدينة، ووافقه عبد الله بن أبي، والأكابر من الصحابة مهاجرهم، وأنصارهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "امكثوا في المدينة، واجعلوا النساء والذراري في الآطام فإن دخلوا علينا قاتلناهم في الأزقة، فنحن أعلم بها منهم، ونرميهم من فوق الصياصي والآطام، وكان هذا هو الرأي وبخاصة أن الصحابة قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية حتى صارت كالحصن".
1 فتح الباري ج7 ص346.
وقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرًا وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدو: اخرج بنا إلى عدونا.
وقال حمزة، وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك بن ثعلبة، في طائفة من الأنصار: إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم، جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفرك الله عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله به، فساقه الله إلينا في ساحتنا.
وقال حمزة: والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعامًا، حتى أجالدهم بسيفي خارجًا من المدينة.
وتكلم مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وإياس بن أوس بن عتيك ورأوا الخروج للقتال.
فلما رأى صلى الله عليه وسلم ذلك، وأشار الكثيرون بالخروج من المدينة، ولم ينزل وحي محدد في هذا الأمر صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس فوعظهم، وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن النصر لهم ما صبروا، ففرح الناس بالخروج من المدينة لقتال عدوهم، وكره صلى الله عليه وسلم ذلك المخرج إلا أنه وافقهم ونزل على رأيهم ما دام لم ينزل فيه وحي من الله تعالى1.
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس فوعظهم، وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن النصر لهم ما صبروا، ففرح الناس بالخروج من المدينة لقتال عدوهم، وكره صلى الله عليه وسلم ذلك المخرج إلا أنه وافقهم ونزل على رأيهم ما دام لم ينزل فيه وحي من الله تعالى1.
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالناس وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي، ورفعوا النساء في الآطام، ودخل صلى الله عليه وسلم بيته، ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فعمماه ولبساه، واصطف الناس له ما بين حجرته إلى منبره، فجاء سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير فقالا للناس: قلتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلتم، واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء فردوا الأمر إليه، فما أمركم فافعلوه، وما رأيتم فيه له هوى أو رأي فأطيعوه.
فبينا هم على ذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته ولبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها، بمنطقه من حمائل سيف، واعتم وتقلد السيف.
فقال الذين يلحون: يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك.
فقال صلى الله عليه وسلم: "قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه، امضوا على اسم الله
1 السيرة النبوية ج2 ص63، 64.
فلكم النصر ما صبرتم1.
د- رد الغلمان:
عسكر الجيش الإسلامي بالشيخين، وفيها طلب النبي صلى الله عليه وسلم رؤية صغار من خرج مع الجيش للجهاد، فعرضوا جميعًا عليه صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد بن ثابت، والنعمان بن بشير، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وعمرو بن حزم، وأسيد بن ظهير، وعرابة بن أوس، وأبو سعيد الخدري، وسعد بن حبتة الأنصاري، وسمرة بن جندب، ورافع بن خديج، فردهم، ثم أجاز رافع بن خديج لأنه رام، فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مري بن سنان: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرعه، فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تصارعا، فصرع سمرة رافعًا فأجازه2.
هـ- تنظيم الحراسة الليلية:
لما فرغ العرض، وغربت الشمس، أذن بلال بالمغرب فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثم أذن بالعشاء فصلى بهم، واستعمل على الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر، وقال صلى الله عليه وسلم حين صلى العشاء:"من يحفظنا الليلة"؟.
فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنت"؟.
قال: ذكوان بن عبد قيس.
قال صلى الله عليه وسلم: "اجلس". ثم قال صلى الله عليه وسلم: "من رجل يحفظنا هذه الليلة"؟.
فقام رجل فقال: أنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنت"؟.
قال: أنا أبو سبع.
قال صلى الله عليه وسلم: "اجلس"، ثم قال صلى الله عليه وسلم:"من رجل يحفظنا الليلة"؟.
1 سيرة النبي ج2 ص66.
2 الطبقات الكبرى ج2 ص39.
فقام رجل فقال: أنا.
فقال صلى الله عليه وسلم: "من أنت"؟.
قال: ابن عبد القيس.
قال صلى الله عليه وسلم: "اجلس"، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة.
ثم قال: "قوموا ثلاثتكم".
فقام ذكوان بن عبد قيس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين صاحباك"؟.
فقال ذكوان بن عبد قيس: أنا الذي كنت أجبتك الليلة.
قال صلى الله عليه وسلم: "فاذهب، حفظك الله".
فقام ذكوان بن عبد قيس فلبس درعه، وأخذ درقته، فكان يطيف بالعسكر ليلته ويقال بل كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه، وبذلك نام المسلمون ليلتهم آمنين استعدادًا للقاء عدو الله وعدوهم1.
و تنظيم الجيش الإسلامي في أحد:
نام صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان السحر قال: أين الأدلاء؟
فلما جاءوا إليه قال لهم صلى الله عليه وسلم: "من رجل يدلنا على طريق يخرجنا على القوم من كثب"؟.
فقام أبو حثمة الحارثي فقال: أنا يا رسول الله.
فخرج صلى الله عليه وسلم فركب فرسه، فسلك به في حرة بني حارثة، فذب فرس أبي بردة بن نيار بذنبه فأصاب كلاب سيفه فسل سيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا صاحب السيف، شم سيفك، فإني إخال السيوف ستسل فيكثر سلها"2.
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أرماح لعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر بن الجموح، ويقال إلى سعد بن عبادة
1 المغازي ج1 ص217.
2 إمتاع الأسماع ج1 ص120.
ودفع لواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه1.
ثم ركب فرسه، وتقلد القوس، وأخذ قناة بيده، والمسلمون عليهم السلاح فيهم مائة دارع.
وخرج سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ رضي الله عنه أمامه يعدوان والناس عن يمينه، وشماله حتى انتهى إلى رأس الثنية، عند مكان يقال له الشيخان، نسبة إلى شيخ وشيخة عمياوان كانا يجلسان في الجاهلية فوقه يتناجيان.
وهناك رأى صلى الله عليه وسلم كتيبة خشناء لها جلبة وضجيج فقال صلى الله عليه وسلم: "ما هذه"؟.
فقالوا: هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي بن سلول من اليهود.
فقال صلى الله عليه وسلم: "لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك وردهم"2.
ومضى فعسكر بالشيخين قريبًا من أحد، ولبس درعه الأول، وبعد استراحة الجيش أخذ سيره إلى أحد.
وفي الطريق عند "الحائط" رجع عبد الله بن أبي ومن معه من أهل النفاق، وهم ثلاثمائة رجل وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان، ومن لا رأي له، ما ندري علام نقتل أنفسنا؟ ارجعوا أيها الناس، فرجعوا.
فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام "وكان خزرجيًا كابن أبي".
فقال رضي الله عليه: أذكركم الله أن لا تخذلوا قومكم، ونبيكم بعدما حضر عدوهم.
قالوا: لو نعلم قتالا ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال.
فلما أبوا قال: أبعدكم الله، فسيغني الله عنكم نبيه.
ولما راآ بنو سلمة من الأوس، وبنو حارث بن الخزرج عبد الله بن أبي قد خذل، هموا بالانصراف، وكانوا جناحين من المعسكر، ثم عصمهما الله، وفيهم نزل قوله تعالى:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 3.
1 الطبقات ج2 ص39، 40.
2 سيرة النبي ج2 ص64.
3 سورة آل عمران: 122.
فعن جابر رضي الله عنه: نزلت هذه الآية فينا {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} والطائفتان هما بنو سلمة وبنو حارثة، وقد عصمهما الله فثبتا {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} .
وقالت طائفة من الأوس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع ابن أبي: يا رسول الله ألا تستعين بحلفائنا من يهود بني قريظة، وذلك لأن بني قريظة من حلفاء سعد بن معاذ، وهو سيد الأوس؟!
فقال صلى الله عليه وسلم: "لا حاجة لنا فيهم".
وتحرك الجيش الإسلامي إلى أحد، فبلغها عند صلاة الفجر يوم الخامس عشر من شوال، وهو "يوم المعركة" فأذن بلال وأقام، وصلى صلى الله عليه وسلم بأصحابه الصبح صفوفًا.
وهكذا أراد الله تعالى للمسلمين أن يكونوا وحدهم حماة دينهم، ليعيشوا المسئولية كاملة، ولينتفعوا بما في الجهاد من خير في الدنيا والآخرة، ولذا تطهر الصف الإسلامي من المنافقين وغيرهم، ورفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعين بغير المسلمين.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب من "أحد" ونظم جيشه في عدوة الوادي إلى الجبل، وجعل ظهره وعسكره إلى "أحد"، ولبس درعه الثانية فوق الأولى، ومغفرًا فوقها، وبيضة فوق المغفر، ثم قال:"لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال".
وقد سخرت قريش الظهر والكراع، في زروع كانت بالصمغة، من قناة المسلمين، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال: أترعى زروع بني قبيلة، ولما نضارب1.
وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال، وسبعمائة رجل، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير، وهو معلم يومئذ بثياب بيضاء، وكان الرماة خمسين رجلا، فقال لهم صلى الله عليه وسلم:"انضحوا عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبتوا مكانكم لا نؤتين من قبلكم". ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، أخي بني عبد الدار.
وكان المسلمون سبعمائة مقاتل فيهم مائة دارع، وفرسان أحدهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر لأبي بردة بن نيار.
1 إمتاع الأسماع ج1 ص 115.
وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو الغنوي.
ثم قام صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: "يا أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله في كتابه من العمل بطاعته، والتناهي عن محارمه، ثم إنكم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين، والجد، والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله له رشده، فإن الله مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه، فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله، وعليكم بالذي أمركم به فإني حريص على رشدكم، وإن الاختلاف، والتنازع، والتثبيط، من أمر العجز، والضعف، وهو مما لا يحب الله، ولا يعطي عليه النصر، ولا الظفر.
يا أيها الناس حدد -تأكد- في صدري أن من كان على حرام فرق الله بينه وبينه ورغب له عنه غفر الله له ذنبه، ومن صلى عليّ صلاة صلى الله عليه وملائكته عشرًا، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيًا، أو امرأة، أو مريضًا أو عبدًا مملوكًا، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه، والله غني حميد.
ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه.
وإنه نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله ربكم، وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم، فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته.
إن الله تعالى قد بين لكم الحلال والحرام، غير أن بينهما شبهًا من الأمر لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم الله، فمن تركها حفظ عرضه ودينه ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيها، وليس ملك إلا وله حمى ألا وإن حمى الله محارمه، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده،
والسلام عليكم"1.
وهكذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى عوامل النصر، والغلبة، وأساسها إعداد العدة، والصبر، واللجوء إلى الله وحسن الطاعة والانقياد، وأداء الواجبات، وصدق التوكل، وإخلاص التقوى، وتقدير محارم الله تعالى، والإيمان التام بقدره سبحانه وتعالى.
1 إمتاع الأسماع ج1 ص121، 122.