المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

الهجرة هي الترك مطلقًا، وتشمل ترك المحسوسات والمعنويات ولذلك فهناك ترك المعاصي، وترك الأفكار الضالة، وهناك ترك الديار والبلاد والرحيل عنها إلى مكان آخر، وكلاهما هجرة وترك، والفاعل لأحدهما مهاجر وتارك.

ومن الهجرة الحسية ما تقوله الملائكة للمستضعفين الذين ظلموا أنفسهم، وبقوا تحت سيطرة الطغاة أذلاء مستعبدين ليقيموا عليهم الحجة، ويبينوا لهم أن الضعف معصية وجريمة يعاقب الله من رضي به، وهو قادر على الخلاص وذلك في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 1.

ومن الهجرة المعنوية جاء قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"2.

وقد هاجر المسلمون إلى الحبشة تاركين مكة وما فيها من ضلال وشرك، فهي هجرة حسية، وهجرة معنوية معًا.

والهجرة إذا أطلقت فإنها تنصرف إلى هجرة المسلمين ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 سورة النساء: 97.

2 صحيح البخاري كتاب الإيمان ج1 ص53 وهذه رواية الحميدي ط الأوقاف.

ص: 59

من مكة إلى المدينة المنورة، والذين قاموا بالهجرة هم المهاجرون الذين قال الله فيهم:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} 1.

ويندرج معهم كل من ترك موطنه أيا كان موقعه، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة يقول ابن الأثير:"والمراد بالمهاجر في الشريعة من فارق أهله، ووطنه، وجاء إلى بلد الإسلام، وقصد النبي صلى الله عليه وسلم رغبة فيه، وإيثارًا له"2.

وكلام ابن الأثير لا يقيد الهجرة بمكان خاص وإنما يجعل الهجرة شاملة لأى مكان ما دامت تقصد الرسول صلى الله عليه وسلم في بلد الإسلام رغبة في صحبته، وإيثارًا للتعلم منه، وابتعادًا عن أعداء الله الذين يبغونهم الفتنة والضرر.

وعلى ذلك فمن ترك دار الشرك، ولحق بدار الإسلام فهو مهاجر، يقول ابن عباس رضي الله عنه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر من المهاجرين، لأنهم هجروا دار الشرك إلى دار الإسلام، وكان من الأنصار مهاجرون تركوا المدينة يوم أن كانت دار شرك وقصدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة"3.

والهجرة المقصودة من الدراسة هي الهجرة إلى المدينة المنورة.

وترجع أهمية الهجرة إلى المدينة المنورة إلى أنها تمثل الانطلاقة الكبرى لانتشار الإسلام بعد ما وقف أهل مكة من الإسلام والمسلمين موقف العنت والكبرياء، وأخذوا يصدون عن سبيل الله بكل وسيلة ممكنة، مهما كان فيها من الكذب والغلو والبعد عن الحق والسداد.

يصور القرآن الكريم موقف أهل مكة من الدعوة إلى الله تعالى ويبين بوضوح أنهم لم يتدبروا حقيقتها، ولم يتفهموا ما تدعوهم إليه، وإنما كانت اعتراضاتهم تتسم بالفوضوية، واللجوء إلى السفه والجهل، وتبتعد ابتعادًا كليًا عن المناقشة الهادفة الصحيحة.

1 سورة الحشر: 8.

2 جامع الأصول ج1 ص241.

3 انظر ص468 من الكتاب الثاني.

ص: 60

فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى دين الله تعالى، ويدلل على الحق بالحسنى، ويبين الإسلام بكافة الوسائل والأساليب، ويقدم أمامهم الآيات الواضحات، ومع ذلك استمروا على عنتهم وغلوهم متعللين بالحجج الواهية والأجوبة الباهتة.

فمرة يبرزون تميزهم بالغنى المادي والوجاهة الاجتماعية والسلطان القوي وما دروا أن ما هم فيه من فضل هو من الله، والأولى بهم أن يشكروا الرازق المعطي، يقول الله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} 1.

ومرة يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم بتبديل الآيات، والإتيان بغيرها، وكأنهم في حفلة راقصة، تغير فيها الراقصة الملابس مع كل مقطع وأغنية، متصورين رسول الله قادرًا على التغيير أو التبديل

وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} 2.

ومرة يشعرون بالعجز، فيتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ليس فيه، ويصفونه بالكذب والسحر ومعاداة دين الآباء يقول الله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} 3.

ومرة يتعنتون في المناقشة، ويطلبون من الرسول أن يعيد لهم آباءهم من قبورهم ليشهدوا بصدقة، يقول الله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ

1 سورة مريم: 73.

2 سورة يونس: 15.

3 سورة سبأ: 43.

ص: 61

حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1.

ومرة يصيبهم الحنق والغيظ، وتتبدى منهم العداوة للمؤمنين يقول الله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 2.

ومرة ينكرون الحق، الثابت مستدلين بعدم الفهم، وجنوحهم إلى الظن، والخيال يقول الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} 3.

ووصل الحال بأهل مكة أنهم حاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وكان أن نجاه الله منهم.

وقد اشتد إيذاء الكفار لكل من أسلم لمنعهم من الإسلام، وإبعادهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك كان الإذن بالهجرة نهاية لفترة مؤلمة عاشها المسلمون، وبداية لقوة الإسلام وتطبيقه في حركة الحياة والناس

وكان هذا سبب رضى المؤمنين وسعادتهم.

لقد كانت هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة مرحلة طبيعية، انطلقت فيها دعوتهم بعد حصارها الطويل، وكانت انفراجة حاسمة لا بد منها لنشر كلمة الحق بين القاضي والداني بلا عائق أو عناد.

وكان المسلمون قد أدركوا بعد أن استعصى عليهم الانطلاق إلى غايتهم الكبرى أن تغيير المكان والأقوام أمر ضروري لتحقيق النجاح المنشود.

1 سورة الجاثية: 25.

2 سورة الحج: 72.

3 سورة الجاثية: 32.

ص: 62

ولم يعد ممكنًا للمسلمين أن يمارسوا نشاطهم المحدود المقيد في مكة بعد ثلاث عشرة سنة كانت محسوبة من عمر دعوتهم، وتيقنوا من حاجة الإسلام والمسلمين إلى منطلق أمين، يمكنهم من الوصول للناس في العالم كله، ولهذا كانت استجابتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بالهجرة إلى المدينة المنورة.

كانت الهجرة للمدينة إذن أمرًا ضروريًا، بعد أن هيأ أهلها للمسلمين المكيين الفرصة الطيبة للخلاص من مراقبة الأعداء، والبعد عن اضطهادهم وعنتهم.

كان المطلوب آنذاك أن يهاجر من مكة جميع القادرين على تركها، لتيخذوا المدينة مركزًا جديدًا للدعوة وقد تحقق هذا، ولم يبق في مكة إلا من حبس أو فتن.

ولا شك أن هجرة المسلمين كانت معروفة لأعدائهم لأنهم لم يكونوا يعيشون وحدهم في مجتمعات منعزلة، وإنما كانوا يعاشرون جماعات تعارضهم وتحرص على تعطيل دعوتهم، ولهم معهم كل يوم معارضات ومشاحنات، ولذلك كان أهل مكة يدركون رحيل المسلمين من بينهم كلما غابوا عنهم.

وخرج المسلمون من مكة غير آسفين عليها، وقدموا على المجهول تاركين أهلهم وأموالهم مرغمين، وكانوا مع ذلك راضين بالحياة الجديدة الآمنة، وكان طريق الهجرة مفتوحًا أمامهم فهاجر بعضهم أمام الناس، وتسلل بعضهم الآخر في ظلمات الليل في غفلة وستر.

ولم يكن في الهجرة عند بدايتها شيء من الخطر، ولم يقف أهل مكة ضدها، ولعلها كانت تبدو أمام المشركين نوعًا من الهروب من ميدان العمل، أو نوعًا من السلبية أمام الأخطار، ولعلهم قاسوها على هجرة المسلمين قبل ذلك إلى الحبشة، وظنوها مجرد رحيل فريق من المسلمين إلى غير بلدهم ليعيشوا غرباء مدة يعودون بعدها إلى مكة.

ولم يعجز القرشيون أن يوجدوا لأنفسهم بعض التعليلات المناسبة لأفهامهم، بسبب عدم معارضتهم للمسلمين وهم يرحلون عن مكة، فلقد تصوروا أن هجرة المسلمين راحة لهم مما يرون ويسمعون، وأملوا في افصل بينهم وبين رسولهم، وبخاصة

ص: 63

أن الرسول باق في مكة معهم كما تصوروا.

ولم يكن المسلمون آنذاك قوة تؤثر بالضرر على المنطقة أثناء الهجرة، فتركهم أعداؤهم يهاجرون بعد أن ضحوا بكل شيء في سبيل عقيدتهم، ولم يكن في الهجرة شيء من العنف أو الإثارة، ولذلك سمح القرشيون لكثير من المهاجرين بالهجرة بعد أن تركوا أموالهم وبيوتهم.

وبدت هجرة المسلمين أمام المشركين كأنها نوع من الهزيمة، أو صورة للفرار من ميدان التنافس والصراع.

إلا أن الهجرة لم تكن شيئًا من ذلك أبدًا؛ لأن المهاجرين ذهبوا إلى المدينة ليباشروا الأعمال الضخمة التي تخدم الدعوة، ويتحملوا مسئوليتها أمام الناس.

وقد تحول الإسلام بهم إلى مجتمع متكامل ينطق بالعمل والتطبيق في حيوية ونشاط، ويتوحد بأخوة العقيدة التي تربط بين القلوب والأرواح، وتجمع بين الأجساد والأعمال، وتجعل الطرق والهدف واحدًا، وتزيل جميع الفوارق المادية، وتقضي على غبش الهوى ونزغات الضلال.

إن المهاجرين لم يضيعوا وقتًا يخدمون فيه دينهم، وبخاصة بعد أن هاجر الجميع وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد بدأت المواجهات الحاسمة، والأعمال المتتابعة في خدمة الدعوة إلى الله تعالى.

قد يتصور أحد أن هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة كانت من أجل الراحة والهدوء، وإيثارًا للسلامة من اضطهاد يتعرضون له في مكة، أو سترًا لضعفهم وقلتهم، وكل هذا غير صحيح، ومردود.

أين هي السلامة وسط السرايا والغزوات التي اشتركوا فيها؟ والتي لم تنقطع طوال الفترة المدنية؟!

وأين هذا الهدوء وقد تحولت حياتهم كلها إلى عبادة، ودعوة، وجهاد؟

وأين هذا الضعف في المهاجرين وقد تنوعت غزواتهم في كل الجهات والقبائل المحيطة بالمدينة؟

ص: 64

إنهم هاجروا لله ورسوله، واستمروا على ذلك حتى ماتوا لله وروسوله.

وقد شجع المسلمون أهل مكة بصمتهم، وتواضعهم على قبول هذا التحليل الكاذب ليصرفوهم عن ملاحقتهم بالضرر.

وربما كان القرشيون يقنعون أنفسهم بقبول هذا الفهم ويصدقون خيالهم، ليفتخروا أمام الناس بانتصارهم على المسلمين بعد الخصومات الطويلة.

لقد تصور القرشيون صدق نظرتهم في المهاجرين لأن المهاجرين لم يتكلموا عن شيء، وكل ما اعتنوا به حين الهجرة هو خروجهم من مكة إلى حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ليكون آخر من يهاجر منها، ولعله كان يخشى على أصحابه إذا هاجر قبلهم فنصحهم بالرحيل قبله ليضمن لهم نوعًا من الأمن والسلامة، وليكون خلف ظهورهم كالقائد الذي اضطرته ظروف الحرب للانسحاب فإنه يبقى مع آخر المتراجعين من جيشه أملا في سلامتهم وتحقيقًا للغايات المطلوبة منهم.

ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضلل أعداءه ببقائه بينهم ليوهمهم بأنه سيكون معهم بعد ذهاب أصحابه إلى المدينة، وبذلك تنتهي خطورته ويفقد أنصاره ويعيش صامتًا مداهنًا لأن القائد بمفرده لا يفعل شيئًا، وكل قوته في تنفيذ جنوده، واتباعهم لأوامره وتوجيهاته.

لقد تبخرت تصوراتهم كالسراب بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق بأصحابه في المدينة، وبدأت دولة الإسلام تتعالى، وتنطلق في العالمين.

ص: 65