الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن كان اللفظ لا يحتمل التأويل والتخصيص، ولا النسخ فهو المُحْكم، وهو أعلى درجات الوضوح، وإن كان لا يحتمل التأويل والتخصيص، ويدل على معناه دلالة قطعية، لكنه يقبل النسخ فهو المفَسَّر، وإن كان اللفظ يحتمل التأويل والتخصيص، ويقبل النسخ، ولكنه مسوق بالذات لإفادة معناه والمراد منه فهو النصّ، وإن كان اللفظ يحتمل التأويل والتخصيص، ويقبل النسخ، وليس مقصودًا بالسّياق فهو الظاهر، وهو أقل المراتب وضوحًا.
ويكون الفرق بين المحكم والمفسر أن الأول لا يحتمل النسخ، والثاني يحتمله في عهد الرسالة، والفرق بين المفسر والنص أن الأول يُبين المراد منه بنفس الصيغة، والثاني يكون المراد منه بمعنى من المتكلم، والفرق بين النص والظاهر أن الأول سيق الكلام له أصالة وبالذات لإفادة ما دلّ عليه النص، والثاني لم يكن المعنى مقصودًا بالسيّاق.
وهذا تعريف لكل نوع، مع المثال له.
1 - الظاهر:
الظاهر لغة: خلاف الباطن، وهو الواضح المنكشف، وفي الاصطلاح الأصولي عند الحنفية: هو اللفظ الذي يدل على معناه بصيغته من غير توقف على قرينة خارجية، ولم يكن المراد منه هو المقصود أصالة من السياق، ويحتمل التأويل والتخصيص والنسخ (1).
مثاله: قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، فظاهر اللفظ يدل على حل البيع، وحرمة الربا، وهذا ما يتبادر إلى الذهن ولا يحتاج إلى قرينة، ولكنه غير مقصود أصالة من سياق الآية التي سيقت للرد على القائلين:"إنّما البيع مثل الربا"، فردَّ اللَّه تعالى عليهم وكذبهم بأنه أحل
(1) أصول السرخسي (1/ 163)، تيسير التحرير (1/ 136)، فتح الغفار (1/ 112)، فواتح الرحموت (2/ 19)، إرشاد الفحول ص 157، التلويح على التوضيح (1/ 124)، كشف الأسرار (1/ 46)، الفصول في الأصول (1/ 50)، علم أصول الفقه ص 162، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 317)، أصول الأحكام ص 237.
البيع وحرم الربا، فهما مختلفان، وسيقت الآية لنفي المماثلة، وكلٌّ من البيع والربا لفظ عام يحتمل التخصيص، ويجوز نسخه في عهد الرسالة.
ومثاله: قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فتدل بالظاهر علي إباحة النكاح، وهذا المعنى يتبادر فهمه من لفظ {فَانْكِحُوا} من غير توقفط على قرينة، ولكن هذا المعنى غير مقصود أصالة من سياق الآية، لأنها سيقت أصالة لبيان إباحة تعدد الزوجات، وقصره على أربع أو واحدة، ولفظ "ما" عام يحتمل التخصيص.
ومثاله: قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وهذا يدل على وجوب طاعة الرسول في كل ما أمر به، أو نهى عنه؛ لأنه يتبادر فهمه من الآية من غير قرينة، ولكنه ليس هو المقصود أصالة من السياق؛ لأن سياق الآية في توزيع الفيء، فأمر اللَّه تعالى بأخذ ما أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم من الفيء حين القسمة، والانتهاء عما نهاهم عنه.
ومثاله من السنُّة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطَّهورُ ماؤُهُ، الحلُّ مَيْتَتُه"(1)، فدل اللفظ ظاهرًا على حكم ميتة البحر وأنها مباح حلال، ولكن ذلك ليس مقصودًا أصالة من السياق؛ لأن السؤال كان خاصًّا عن ماء البحر.
حكم الظاهر:
يجب العمل بمعناه الذي ظهر منه، وتبادر إلى الذهن، قطعًا ويقينًا، سواء كان اللفظ عامًّا أو خاصًّا؛ لأن الأصل لغة وشرعًا عدم صرف اللفظ عن ظاهره، إلا إذا قام دليل يقتضي العدول عن ذلك المعنى، والعمل بغيره، سواء بالتأويل وإرادة معنى آخر، أو بالتخصيص، أو بالنسخ، لتخصيص عموم حل البيع بالنهي عن الربا، وبيع الإنسان ما ليس عنده، وبيع الغرر (2).
(1) هذا الحديث رواه مالك (الموطأ ص 40) والشافعي وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن أبي، هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
(2)
التلويح على التوضيح (1/ 124)، تيسير التحرير (1/ 136)، علم أصول الفقه ص 163، تفسير النصوص (1/ 146)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي =