الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن اختلاف العلماء في تخصيص العام بالعرف العملي في نصوص الشارع، كأن يرد نص بتحريم الطعام، وكان من عادة الناس أكل البُرّ، فتقتصر الحرمة على البرّ؛ لأنه هو الغالب من الطعام في البلد، فذهب الحنفية وجمهور المالكية إلى التخصيص به (1)، ومنعه الجمهور، والراجح أنه لا يكون مخصصًا؛ لأن نص الشارع عام وحجة، والعادة أو العرف لا يعارض النص، إلا إذا اقترن العرف بأصل شرعي كالسُّنة التقريرية أو الإجماع السكوتي.
4 - الإجماع:
يجوز تخصيص العام بالإجماع، لأن الإجماع يفيد القطع، والعام يفيد الظن عند الجمهور، فإن اجتمعا، قدم الإجماع (2).
مثاله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، وأجمع العلماء على أنه لا جمعة على المرأة، فيكون ذلك تخصيصًا للعام.
5 - النص القرآني أو النبوي:
(1) خصص الإمام مالك العام في قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، بالعرف العملي الذي كان سائدًا في قريش أن المرأة الحسيبة الشريفة القدر لا ترضع ولدها عادة، فقال: هذا العام مخصوص بالمرأة غير الشريفة القدر (الفروق 1/ 173، تهذيب الفروق 1/ 187).
(2)
يقول ابن بدران رحمه اللَّه تعالى وابن النجار الفتوحي: "والحق أن التخصيص يكون بدليل الإجماع، لا بالإجماع نفسه"(المدخل إلى مذهب أحمد ص 114، شرح الكوكب المنير 3/ 369) وأرى أن التخصيص يكون بالدليل والاجماع معًا؛ لأن الدليل قد يكون ظنيًّا ومحتملًا، وقد لا يصل إلينا، فعند الإجماع تحدد المراد والاستدلال منه، وانظر: نهاية السول (2/ 144)، المستصفى (2/ 102)، شرح تنقيح الفصول ص 202، المعتمد (1/ 276)، المحصول (3/ 124)، العضد على ابن الحاجب (2/ 150)، فواتح الرحموت (1/ 316) وما بعدها، العدة (2/ 578)، مختصر البعلي ص 123، المسودة ص 126، إرشاد الفحول ص 160، الفصول في الأصول (1/ 142)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 254).
يجوز تخصيص العام بنص خاص ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، سواء كان النص المخصص متصلًا بالعام أو منفصلًا عنه.
فمن تخصيص العام بنص خاص متصل به قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وجاء عقبه مباشرة قوله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، والربا نوع من البيع، فصار النص الأول العام مخصوصًا فيما عدا الربا.
ومن تخصيص العام بنص خاص منفصل ومستقل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، فالمطلقات لفظ عام يشمل الحوامل وغيرهن، ثم خص منه الحوامل بقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، وخص منه المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى:{فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]، فصار لفظ المطلقات العام مخصصًا بالمدخول بها غير الحامل.
ومن تخصيص العام في القرآن بنص متواتر من السنة، قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180]، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث"(1).
ومن تخصيص العام في القرآن بنص خبر آحاد من السنة قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، مع قوله صلى الله عليه وسلم عن البحر:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"(2)، ويسميه الحنفية نسخًا ضمنيا.
واتفق العلماء على تخصيص عموم النص القرآني بالنص القرآني، وبالسنة المتواترة، وبالعكس، وتخصيص السنة المتواترة بالسنة المتواترة، وخبر الآحاد بخبر الآحاد، ولكن اختلفوا في تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، فأجازه الجمهور مطلقًا، وفصل الحنفية، فقالوا: إن دلالة العام قطعية، فلا يصح تخصيصها بخبر الآحاد الظني، إلا إذا دخل النصَ القرآني العامَ تخصيص، فتصبح دلالته ظنية، فيجوز تخصيصه عندئذ بخبر الآحاد الظني.
(1) هذا جزء من حديث رواه أصحاب السنن وغيرهم عن عدد من الصحابة.
(2)
هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه، والنسائي ومالك والشافعي وأحمد.