الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - التخصيص بالدليل الظني:
قال أصحاب القول الأول: يجوز تخصيص العام الظني بالدليل الظني كخبر الآحاد والقياس، مثاله: قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، فإنه مخصص بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تنكح المرأة على عمتها، ولا خالتها"(1)، وقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يرث القاتل"(2)، وبقوله:"لا يرث الكافر من المسلم، ولا المسلم من الكافر"(3)، وقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ] المائدة: 38]، مخصص بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا"(4)، والأمثلة كثيرة.
وقال الحنفية ومن معهم: لا يجوز خصيص العام ابتداء بدليل ظني كخبر الآحاد والقياس، واستدلوا بقول عمر رضي الله عنه في قصة فاطمة بنت قيس، التي طلقها زوجها ثلاثًا، فروت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فقال عمر:"لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة"(5)، فلم يجعل حديثها مخصصًا لعموم قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]، والأمثلة كثيرة (6).
2 - تعارض العام والخاص:
قال أصحاب القول الأول: لا يتحقق التعارض بين العام والخاص، ويعمل بالخاص فيما دلَّ عليه، ويُعمل بالعام فيما وراء ذلك؛ لأن الخاص
(1) هذا الحديث رواه مسلم، وورد معناه عند البخاري وأصحاب السنن.
(2)
هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي والدارقطني بهذا اللفظ، ورواه غيرهم بلفظ آخر.
(3)
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومالك والشافعي وأحمد والدارمي والبيهقي.
(4)
هذا الحديث رواه البخاري وغيره بألفاظ مختلفة.
(5)
هذا الحديث رواه مسلم.
(6)
من ذلك إذا ترك المسلم التسمية على الذبيحة، وقتل المسلم بالكافر.
قطعي الدلالة -كما سنرى- والعام ظني الدلالة، ولا تعارض بينهما؛ لأن شرط تحقق التعارض بين الدليلين أن يكونا في قوة واحدة، كالقطعيَّين، والظنيَّين.
وقال أصحاب القول الثاني: يتحقق التعارض بين العام الذي لم يخصص، وبين الخاص؛ لأنهما قطعيان، ويكون التعارض في القدر الذي دل عليه الخاص فقط لتساويهما في القطعية، ويجب اللجوء إلى دفع التعارض إما بالتوقف، وإما بالتخصيص، وإما بالنسخ من المتأخر للمتقدم.
ومثاله: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
…
الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، فالنص عام يشمل كل من رمى محصنة سواء كان زوجًا لها أم لا، ثم قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)} [النور: 6]، فالنص خاص بالأزواج الذين يرمون زوجاتهم.
فقال الجمهور: لا تعارض، ويعمل بالخاص فيما دل عليه، ويعمل بالعام فيما وراء ذلك، أي: يخصصون العام، ويقضون بالخاص على العام؛ لأن دلالة الخاص قطعية، ودلالة العام ظنية.
وقال الحنفية ومن معهم بالتعارض بين الآيتين، وأن الثانية متراخية (متأخرة) عن الأولى، فينسخ الخاص العام في قدر ما تناولاه، وهو النسخ الجزئي عندهم.
ومثله قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، فهي عامة في كل متوفًّى عنها زوجها، سواء كانت حاملًا أم لا، مع قوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، فعدة الحامل بوضع الحمل، ولا تعارض بينهما عند الجمهور، ويعمل بكل منهما، وعند الحنفية يتحقق التعارض، والآية الثانية متراخية عن الأولى فتكون ناسخة لها في الحامل المتوفى عنها زوجها.
ومن ذلك الاختلاف في اشتراط النصاب في زكاة الزروع؛ لورود حديث عام بعدم الاشتراط، وحديث خاص باشتراطه (1)، فخصص الجمهور العام
(1) الحديثان صحيحان رواهما البخاري ومسلم وأصحاب السنن.