الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنواع التأويل:
ينقسم التأويل باعتبار قربه للفهم وبعده عنه، وبحسب نظرة العلماء له إلى نوعين:
1 - التأويل القريب إلى الفهم:
وهو ما يكفي في إثباته لأدنى دليل، كالمثال السابق في تأويل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] من المعنى الظاهر للقيام إلى معنى قريب منه، وهو العزم على أداء الصلاة وإرادة الدخول فيها.
ومثل تأويل الشافعي رحمه اللَّه تعالى قول اللَّه عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، فقال:"إلا وجْهَها وكفيها" فتأول الشافعي "ما ظهر منها" بالوجه والكفين، ورجَّح تأويله بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر:"يا أسماءُ! إنَّ المرأةَ إذا بلغتِ المحيضَ، لم يَصْلُح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى كفِّهِ ووجهِهِ"(1)، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء (2).
2 - التأويل البعيد عن الفهم:
هذا مجال لاختلاف العلماء، فبعضهم يعتبره قريبًا، وأكثرهم يعتبره بعيدًا، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان الثقفي، وقد أسلم وعنده عشر نسوة:"أخْتر" وفي لفظ: "أمْسِك منْهن ارْبعًا وفَارِق سائرَهن"(3)، وقوله صلى الله عليه وسلم لفيروز الدَّيْلمي، وقد أسلم وعنده. زوجتان أختان:"اخْتَر" وفي لفظ: "أَمْسِك أيتَهما شئتَ، وفارق الأخرى"(4)، والحديثان ظاهران في استدامة الزواج السابق، أو استصحابه، لكن الحنفية أوّلوا الأمر بالإمساك على ابتداء نكاح إن كان الزواج في عقد واحد، واستبقاء الأولى منهن إن كان الزواج في أكثر من
(1) هذا الحديث أخرجه أبو داود، وقال: هذا مرسل (2/ 382).
(2)
تفسير النصوص (1/ 389)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 316).
(3)
هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي.
(4)
هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي.
عقد، أي ابْتَدِئ زواجَ أربع منهن، أو ابتدئ زواج إحدى الأختين.
وقال الجمهور: هذا تأويل بعيد؛ لأن الفرقة لو وقعت بسبب الدخول بالإسلام لم يخيّرهما، وقد خيّر كلًّا منهما، والمتبادر عن السماع من الإمساك الاستدامة، والسؤال وقع عنها فهو ظاهر من اللفظ، دون التجديد، ولو كان المراد من الحديثين التجديد، لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن غيلان وفيروز حديثًا عهد بالإسلام، وليس لهما معرفة بالأحكام الشرعية، ولم يبين لهما النبي صلى الله عليه وسلم شروط النكاح مع الحاجة إليه لقرب عهدهما بالإسلام، ولم ينقل عن أحد ممن أسلم على أكثر من أربع أو على أختين أنه جدَّد النكاح، وإن ابتداء النكاح يحتاج إلى رضا الزوجات، ويصير التقدير: فارق الكل، وابتدئ بعد ذلك مَنْ شئت، فيَضيعُ قولُه صلى الله عليه وسلم:"اختر" لأنه قد لا يرضين أو بعضهن، والأمر للوجوب، فكيف يجب عليهما ابتداؤه، وليس بواجب في الأصل؟ وفي الحديث الثاني مانع آخر للتأويل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"أيتهما شئت" وفي تقدير نكاحهما على الترتيب تعيين الأولى، وهو يتنافى مع تخييره (1).
ومن التأويل البعيد ما قاله الحنفية في قوله تعالى في كفارة الظهار: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]، فقالوا: المراد إطعامُ طعامِ ستين مسكينًا، إما لستين مسكينًا، أولمسكين واحد ستين طعامًا؟ لأن المقصود دفع الحاجة، ودفع حاجة ستين كحاجة واحد ستين يومًا.
واعتبر الجمهور ذلك تأويلًا بعيدًا؛ لأنه عدول عن العدد، وهو ستون مسكينًا، وعدول عن لفظ "إطعام" الذي يقتضي توزيع الكفارة لهذا العدد، فالعدد مقصود لفضل الجماعة وبركتهم وتضافرهم على الدعاء للمحسن.
ومن التأويل البعيد ما ذهب إليه بعضهم بوجوب مسح الرجلين في الوضوء لا غسلهما في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، واحتجوا بقراءة الجر "وأرجلِكم" عطفًا على "رؤوسِكم" وهي قراءة صحيحة سَبْعية.
(1) شرح الكوكب المنير (3/ 462) وما بعدها، تفسير النصوص (1/ 391، 398)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 315).