الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول منهج الحنفية في طرق دلالة اللفظ على المعنى
قسم الحنفية طرق دلالة اللفظ على الحكم إلى أربعة أقسام، وهي:
دلالة العبارة، ودلالة الإشارة، ودلالة النص، ودلالة الاقتضاء.
والمراد من اللفظ هنا ما يفهم منه المعنى، سواء كان ظاهرًا، أو نَصًّا، أو مُفَسّرًا، أو مُحْكمًا، ويحصر الحنفية طرق الدلالة بالمفهوم الذي دل عليه اللفظ في محل النطق، أما ما يكون وراء المنطوق فلا يعتدون به، وهو ما يعرف بمفهوم المخالفة، فلا يدخلونه بالتقسيم والدلالة والأحكام، كما سنرى.
ووجه الضبط عند الحنفية في هذه الطرق الأربعة: أن دلالة اللفظ على الحكم إما أن تكون ثابتة باللفظ نفسه، أو لا تكون ثابتة باللفظ نفسه، والدلالة التي تثبت باللفظ نفسه إما أن تكون مقصودة منه فهي العبارة ويسمونها عبارة النص، فإن كانت غير مقصودة فهي الإشارة، ويسمونها إشارة النص، وإن كانت الدلالة لم تثبت باللفظ نفسه، فإما أن تكون مفهومة من اللغة، ويسمونها دلالة النص، أو تكون مفهومة من الشرع، ويسمونها دلالة الاقتضاء (1).
والحكم الثابت بالدلالات الأربع السابقة ثابت بظاهر النص، وليس بالقياس والرأي، فالنص التشريعي بذاته دلَّ عليه بإحدى الطرق السابقة، وهذا بيان لكل منها عند الحنفية.
1 - عبارة النص:
هي: المعنى الذي يتبادر فهمه من الصيغة، ويكون مقصودًا أصالة أو تبعًا، ويطلق عليه المعنى الحرفي للنص.
(1) كشف الأسرار (1/ 67)، أصول السرخسي (1/ 236)، علم أصول الفقه ص 143، تفسير النصوص (1/ 467)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 348)، أصول الأحكام ص 253، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 127.
وأمثلة ذلك كثيرة لا تحصى؛ لأن ذلك هو ما يريده الشارع من صياغته وألفاظه وأسلوبه، وأنه قصد به حكمًا خاصًّا، فكل نص تشريعي له معنى يدل عليه، لكن قد يكون مقصودًا أصالة، أو تبعًا (1)، ولذلك أمثلة.
المثال الأول: قال اللَّه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، فهذه العبارة في الآية تدل دلالة ظاهرة على معنيين، أحدهما: التفرقة بين البيع والربا، وهذا مقصود من السياق أصالة؛ لأن الآية نزلت للرد على الذين قالوا:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]، والثاني: أن حكم البيع الإباحة، وحكم الربا التحريم، وهذا المعنى مقصود من السياق تبعًا؛ لأن نفي المماثلة استتبع بيان حكم كل منهما، وأن اختلاف الحكمين يدل على عدم المماثلة، ولو أراد الشارع المعنى المقصود أصالة فقط لقال: وليس البيع مثل الربا (2).
المثال الثاني: قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فهذه الآية دلت بعبارتها على ثلاثة أحكام، الأول: إباحة النكاح، وهو مقصود من سياق الآية تبعًا؛ لأن الآية نزلت في الأوصياء الذين يتحرجون من قبول الوصاية على اليتامى خوف الجور في أموالهم، وأكلها ظلمًا، مع أنهم لا يتحرجون من تعدد الزوجات بغير حصر، مع عدم العدل بينهم، فجاء الحكم الثاني: بتحديد عدد الزوجات على اثنتين أو ثلاث، أو أربع، وهذا مقصود من السياق أصالة، ثم الحكم الثالث: وجوب الاقتصار على واحدة عند خوف الجور عند التعدد، وهذا مقصود من السياق أصالة؛ لأن الآية سيقت لإفادة الحكم الثاني والثالث أصالة، واستتبع ذلك بيان إباحة النكاح، ولو اقتصرت
(1) علم أصول الفقه 144، تفسير النصوص (1/ 469)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 349)، أصول الأحكام ص 253، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 128.
(2)
كشف الأسرار (1/ 68)، علم أصول الفقه ص 144، تفسير النصوص (1/ 475)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 349)، أصول الأحكام ص 253، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 128.