الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - النَّصُّ:
النص في اللغة: رفع الشيء، من نصَّ الحديثَ ينصُّه نصًّا: رفعه، وكل ما أُظهر فقد نُصّ، قالوا: وكل شيء أظهرته فقد نصصته، والنصُّ: الإظهار، ولذلك عرّف بعض الأصوليين النص حسب المعنى اللغوي، فقال السرخسي رحمه اللَّه تعالى:"أمّا النَّص فما يزداد وضوحًا بقرينة تقترن باللفظ من المتكلم، ليس في اللفظ ما يوجب ذلك ظاهرًا، بدون تلك القرينة"(1).
والنص في اصطلاح الأصوليين من الحنفية: هو اللفظُ الذي يدلّ بنفس صيغته على معناه المقصود منه أصالة من سياقه، ويحتمل التأويل والتخصيص، احتمالًا أقل من احتمال الظاهر، ويقبل النسخ في عهد الرسالة (2).
مثاله: قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فالآية نص في نفي المماثلة بين البيع والربا في الحل والحرمة، لأن الكلام سيق لبيان هذا الحكم أصالة، فازداد وضوحًا، ردًّا على من قال:"إنّما البيع مثل الربا" فالآية تدل على حل البيع وحرمة الربا ظاهرًا كما سبق، وعلى التفرقة بينهما ونفي التماثل نصًّا؛ لأن هذا هو المعنى الذي سيق الكلام لأجله.
ومثاله: قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فهو نص في إباحة التعدد، وقصره على أربع؛ لأنه معنى متبادر فهمه من
= (1/ 318)، أصول الأحكام ص 238.
(1)
أصول السرخسي (1/ 164)، وانظر: لسان العرب، مادة: نصص.
(2)
الفصول في الأصول (1/ 59) هامش، كشف الأسرار (1/ 48)، علم أصول الفقه ص 163، تفسير النصوص (1/ 149)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 318)، أصول الأحكام ص 238.
تنبيه: يطلق عامة الأصوليين والفقهاء اصطلاح النَّص على النصوص الواردة في القرآن والسنة، مهما كانت درجة وضوحه، وذلك في مقابل الإجماع والقياس وسائر مصادر التشريع، كما سبق في المصادر، وهذا ما يستعمله أيضًا علماء القانون، فيقولون: نص القانون، انظر: علم أصول الفقه ص 168 هامش، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 320)، أصول الأحكام ص 238.
اللفظ وهو المعنى الذي سيق الكلام لأجله بقرينة سياقية بعده في قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] فدلت على أن هذا المعنى هو المقصود، ودلت ظاهرًا على إباحة النكاح -كما سبق- لأنه ليس مقصودًا من السياق.
ومثاله: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، فهو نص على وجوب طاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قسمة الفيء إعطاءً ومنعًا؛ لأنه هو المقصود من السياق.
حكم النَّص:
إن حكم النص هو حكم الظاهر، وهو وجوب العمل بالمعنى المتبادر منه، المقصود أصالة، ولكنه يحتمل التأويل إن كان خاصًّا، ويحتمل التخصيص إن كان عامًّا، ويحتمل النسخ، ولكن هذه الاحتمالات أقل منها في الظاهر (1).
مثاله: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فهو نص في وجوب العدة على المطلقة بثلاثة قروء، ولفظ "المطلقات" عام يشمل المدخول بها، وغير المدخول بها، ثم جاءت الآية الأخرى تخصص هذا العموم، فقال تعالى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]، فصارت الآية الأولى مخصصة بالمدخول بها، ولا تشمل المطلقة غير المدخول بها التي تطبق عليها الآية الثانية.
ومثاله: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]، فهذا نص في تحريم الميتة والدم، ولكن لفظ "الدم" مطلق، وجاءت آية أخرى فقيدته بالمسفوح، قال تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145].
الفرق بين الظاهر والنص:
إن حكم الظاهر وحكم النص واحد، وهو وجوب العمل بهما، وكل من الظاهر والنص واضح الدلالة علي معناه، فلا يتوقف فهم المراد من كل
(1) علم أصول الفقه ص 164، تفسير النصوص (1/ 153)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 321)، أصول الأحكام ص 239.