الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول كيفية استعمال اللفظ للمعنى
إن الألفاظ المركبة من حروف لها دلالات، ولكن تتنوع كيفية دلالة اللفظ على المعنى في اللغة.
فالأصل أن يدل اللفظ على المعنى بحسب الحقيقة، ويقابلها المجاز، وقد يدل اللفظ على المعنى بأسلوب صريح، ويقابله الكناية.
ولذلك تنقسم دلالة اللفظ باعتبار استعماله في المعنى إلى أربعة أنواع:
الأول: الحقيقة، ويقابلها المجاز.
والثاني: الصريح، ويقابله الكناية.
ونعرض كلًّا منهما في مبحث.
المبحث الأول الحقيقة والمجاز
تعريف الحقيقة:
الحقيقة: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له لغة، وذلك أن المتكلم يصدر عنه اللفظ، ويريد المعنى الذي وضعه أهل اللغة، كلفظ الشمس للكوكب الذي يضيء النهار، والقمر للكوكب الذي ينير الليل، والإنسان للحيوان الناطق (1).
أنواع الحقيقة:
تنقسم الحقيقة اللفظية إلى ثلاثة أنواع:
الأول: الحقيقة اللغوية: وهي الأصل، وهي التي وضعها واضع اللغة للفظ، كالأمثلة السابقة.
الثاني: الحقيقة الشرعية: وهي اللفظ المستعمل في المعنى المراد له
(1) المستصفى (1/ 341)، الفصول (1/ 46)، أصول السرخسي (1/ 175)، كشف الأسرار (1/ 61).
شرعًا، والواضع لها هو الشرع، كالصلاة للعبادة المخصوصة، والزكاة للجزء المطلوب من الغني ليخرجه من ماله، وهكذا الحج، والشفعة، والجهاد.
والغالب أن يكون هناك علاقة بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي، فالصلاة لغة الدعاء، وهذا المعنى وارد في المعنى الشرعي الذي يشتمل على الدعاء، والزكاة لغة النماء والزيادة، وهذا المعنى مقصود في المعنى الشرعي، ويصبح المعنى الشرعي مجازًا في اللغة عند استعماله شرعًا.
الثالث: الحقيقة العرفية: وهي التي لم يتعين واضعها، وإنما توافَقَ الناس عامة على استعمالها للدلالة على شيء معين، وقد تكون عامة مثل لفظ الدابة، فهي في اللغة لكل ما يدب على الأرض، ولكن خصها العرف بالمخلوق الذي له حافر، أو بما يمشي على أربع، وقد تكون خاصة، وهي المصطلحات التي تطلقها كل طائفة من أصحاب العلوم والفنون والحرف والمهن والبلدان على معنى معين يخصهم، ويتعارفون به، وتسمى حقيقة اصطلاحية، كالولد فهو في اللغة لكل مولود ذكر أو أنثى، فخصه العرف في بعض البلاد بالذكر، وفي بعض البلاد يطلقونه على الرجل، والصبي في اللغة هو الولد الذكر الذي لم يبلغ، ويتعارفون عليه في بعض البلاد على الرجل الخادم الذي يخدم في البيت والمطبخ، ولفظ الاستحسان عند علماء الأصول، والعقد عند الفقهاء، وكلمة التمييز يختلف المراد منها في اللغة والفقه عن القضاء (1).
والأصل أن يستعمل اللفظ في المعنى اللغوي والحقيقة اللغوية إلا إذا وردت قرينة تصرفه إلى المعنى الشرعي أو العرفي؛ لأن الحقيقة اللغوية هي الأصل، والأصل عدم النقل إلى غيره.
ومن القرائن استعمال الشارع للألفاظ الواردة في نصوصه، فإن المراد هو الحقيقة الشرعية؛ لأن الشرع استعملها بحسب مراده إلى أن ترد قرينة معاكسة تصرفه إلى المعنى اللغوي، فالزكاة هي الركن الثالث في الإسلام، وحيثما وردت في القرآن والسنة فهذا هو المراد، وقد يراد معناها اللغوي في مثل قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)} [الأعلى: 14]، وقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
(1) مثل كلمة مدرسة التي استعملناها سابقًا، وهي غير المدرسة في وزارة التربية، ومثل الكلية والجزئية والابتدائية والاستئناف والتمييز في المحاكم، ومثل لفظ مستشار في الطب فهو غير المستشار في القضاء، ولفظ مدرس يختلف المراد منه من وزارة التربية إلى الجامعة، ولقب أستاذ مساعد يختلف المراد منه من دولة إلى أخرى.