الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث مفهوم المخالفة
سبق بيان تعريف مفهوم المخالفة الذي يعتبره المتكلمون أحد الدلالات، ويضعون شروطًا له، ويعدّدون أنواعه، وخالفهم الحنفية فيه، وترتب على ذلك الاختلاف في الأحكام الفقهية المستنبطة عن طريقه، مع اختلاف بين المتكلمين أنفسهم في بعض الأنواع، أو بعض الأمثلة.
أنواع مفهوم المخالفة:
إن مفهوم المخالفة له أنواع كثيرة، أهمها ستة، وأولها مفهوم الصفة، ويعتبر رأس المفاهيم، والخمسة ترجع في المعنى إلى الصفة، كما قاله الجويني رحمه اللَّه تعالى (1)، وهي:
1 - مفهوم الصفة:
هو دلالة اللفظ المقيد بصفة على نقيض هذا الحكم للمسكوت الذي انتفى عنه ذلك الوصف (2)، وليس المراد بالصفةِ الصفةَ النحوية، وهي النعت فحسب، بل يشمل ما في معناها كالتقييد بالزمان والمكان والإضافة والحال.
مثاله: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ
(1) قال الجويني رحمه اللَّه تعالى: "ولو عبَّر معبر عن جميع المفاهيم بالصفة لكان ذلك منقدحًا؛ لأن المعدود والمحدود موصوفان بعدّهما وحدّهما، وكذا سائر المفاهيم" البرهان، له (1/ 454).
(2)
تفسير النصوص (1/ 610)، وانظر تعريف مفهوم الصفة في: الإحكام للآمدي (3/ 73)، جمع الجوامع والمحلي والبناني (1/ 253)، نهاية السول (1/ 319)، تيسير التحرير (1/ 100)، شرح العضد (2/ 175)، شرح تنقيح الفصول ص 270، شرح الكوكب المنير (3/ 500)، البحر المحيط (4/ 30)، العدة (2/ 453)، المسودة ص 351، 360، التبصرة ص 218، روضة الناظر ص 274، إرشاد الفحول ص 180، علم أصول الفقه ص 154، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 362)، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 172، أصول الأحكام ص 263.
الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]، فتدل الآية بمنطوقها على أن المسلم إذا لم يملك مهر الحرة، فيحل له الزواج بالإماء المؤمنات، وتدل بمفهوم المخالفة على أنه يحرم عليه الزواج بالإماء الكافرات؛ لأن الحل مقيد بوصف الإيمان، فينتفي الحل بانتفاء هذا الوصف.
ومثاله: قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وقوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]، فكل منهما ظرف زمان وهو قيد فيهما، فيُشرع الحج في أشهره دون غيرها، وتجب الجمعة يوم الجمعة دون غيره، وقوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، فهذا ظرف مكان، ومثله قوله تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، فهو حال كالصفة، فتحرم المباشرة حال الاعتكاف، وتحل عند عدم الاعتكاف.
ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم "في الغَنَمِ السَّائمةِ زَكاةٌ"(1)، فيدل المنطوق على وجوب الزكاة في السائمة التي ترعى في البوادي والجبال، ويدل بمفهوم المخالفة على عدم الزكاة في الغنم المعلوفة في البيوت، ومثله قول جابر رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قَضَى بالشُّفْعةِ في في كل ما لم يُقْسَم"(2)، فيدل بمفهوم المخالفة على عدم مشروعية الشفعة فيما يقبل القسمة، وهو ما صرح به جابر راوي الحديث بقوله:"فإذا وَقَعَتِ الحدودُ وصُرِّفت الطُرُق فلا شُفْعة" واستدل بهذا الحديث من حصر الشفعة عند الخلطة أي: الشركة، لا بالجوار، ومثله حديث:"من باعَ نخلًا مُؤَبَّرة فثمرتُها للبائع إلا أنْ يَشْترط المُبْتاع "(3)، فيدل بمنطوقه أن ثمرة النخل المؤبرة يستحقها البائع، ويدل بمفهومه أن ثمرة النخل الذي بيع قبل التأبير لا يستحقها البائع، بل المشتري، ومثله حديث "مَطْلُ الغني ظُلمْ يُحِلُّ عِرْضَه وعقوبتَه"(4)، فيدل بمنطوقه على أن مماطلة المدين الغني القادر على الدفع
(1) هذا الحديث سبق بيانه في المبحث السابق.
(2)
هذا الحديث أخرجه البخاري وأحمد عن جابر رضي الله عنه.
(3)
هذا الحديث أخرجه البخاري وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أبو =