الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمراد من الفقيه عند الأصوليين قديمًا: المجتهد، وأما إطلاقه على من يحفظ الفروع الفقهية فهو اصطلاح عند غيرهم، وكان لفظ الفقيه والمجتهد مترادفين في العصور الأولى، ثم انفصلا، وصار الفقيه هو المجتهد عند الأصوليين، والعالم بالفقه هو الفقيه عند الفقهاء.
والاجتهاد ينتج عنه الاستنباط، والاستدلال عامة، أو من دلالات النصوص، أو مما لم يرد فيه نص، وينتج عن جميع ذلك القياس والاستحسان والاستصلاح والاستصحاب، وسد الذرائع، وغيرها، وسيرد تفصيل مجال الاجتهاد، أو وجوهه أو محله أو نطاقه الذي يستعمل فيه، مما يدل على اتساع دائرة الاجتهاد، وأنه أوسع من القياس، وأوسع من الرأي (1).
مشروعية الاجتهاد:
الاجتهاد مطلوب في الشرع، وهو أصل من أصول الشريعة، كما سبق في حديث معاذ، ووردت فيه أدلة كثيرة تدل على طلبه إما صراحة، وإما إشارة، سواء في القرآن والسنة والإجماع والمعقول.
أولًا: الكتاب:
وردت آيات كثيرة تأمر بالنظر والبحث وإعمال العقل والفكر لمعرفة أحكام اللَّه تعالى، وتدل على أن الاجتهاد أصل من أصول الشريعة إما بطريق التصريح أو الإشارة والتنبيه، فمن ذلك:
1 -
قال اللَّه تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}
(1) قال بعض الفقهاء: الاجتهاد هو القياس، ونسبه ابن أبي هريرة للشافعي، قال الغزالي:"وهو خطأ"، وقال الماوردي؛ "اشتبه عليه ذلك، فالاجتهاد أعم من القياس، وإن كل واحد منهما يتوصل به إلى حكم غير منصوص عليه، مع فروق بينهما"(الحاوي 20/ 178)، المستصفى (2/ 300)، ونقل الزركشي عن أبي بكر الرازي أن اسم الاجتهاد يقع في الشرع على القياس الشرعي، وما يغلب على الظن من غير علة كالاجتهاد في المياه والوقت والقبلة وتقويم المتلفات ومهر المثل والمتعة والنفقة، والاستدلال بالأصول، البحر المحيط (6/ 197) بتصرف.
[النساء: 105]، فهذه الآية تتضمن إقرار الاجتهاد بطريق القياس، والقياس نوع من الاجتهاد، ومثل ذلك الآيات الكريمة التي سبق بيانها في مشروعية القياس، فإنّها تدل على جواز الاجتهاد كقوله تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، ومنها قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3]، وما ورد بعدها:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4، النحل: 12]، وغير ذلك مما ورد فيه قوله تعالى:{يَعْقِلُونَ} .
2 -
قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء: 59]، فالأمر بطاعة اللَّه والرسول هو باتباع نصوص الكتاب والسنة، والمراد بالردّ إلى اللَّه والرسول عند التنازع فيما لم يرد فيه نص هو النظر في الكتاب والسنة لمعرفة علل الأحكام، ومقاصد الشريعة، وقواعدها العامة للاستنباط والاجتهاد والاستدلال على الأحكام الشرعية، وهذا هو الاجتهاد الشرعي الذي أوجبه اللَّه تعالى لبيان الحكم لما يحدث بين الناس من قضايا لم يرد فيها نص، فيعملون بشرع اللَّه، ويتجنبون الهوى والباطل.
3 -
قال اللَّه تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159]، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه فيما لم يوح إليه منه بشيء، ثم يختار من آرائهم ما كان عنده أقرب للصواب في أمر الحروب، ومكائد العدو، وفي أشياء كثيرة، مما يرد في الشورى والمشاورة مما لا وحي فيه، وكان الصحابة رضوان اللَّه عليهم يظهرون آراءهم، وما يؤدي إليه اجتهادهم، ويجتهد معهم، ويختار الصواب عنده منها، كرأي الحُباب في بدر، ورأي الأنصار في عدم إعطاء عُيَيْنة بن حصن نصف ثمار المدينة يوم الأحزاب، وغير ذلك، وأمر اللَّه بالتشاور والتراضي بين الزوجين عند الفصال وإرضاع المولود، ويتم ذلك بالاجتهاد واستخراج الرأي على غالب الظن، وهو الاجتهاد (1).
4 -
وردت آيات كثيرة يتوقف العمل بها على الاجتهاد فيها لتطبيقها، فمن
(1) انظر: الفصول في الأصول (4/ 25، 26).