الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في معنى الأمر، أو النهي، كما لو قال أمرتكم، أو نهيتكم.
أما إذا كان الخبر حقيقيًّا لبيان المخبر عنه، فقال الجمهور: لا يصح نسخه بتكليف المكلف بما ينافي الخبر، واعتقاد عكس المخبر به، فكأنه تجويز للكذب والغلط، ويؤدي إلى البَداء والجهل، وفصل آخرون في نوع الأخبار، فأجازوا نسخ بعضها دون الآخر، ولكل دليله ومناقشته، ولا فائدة عملية من ذلك (1).
4 - نسخ المنطوق والمفهوم:
ذكرنا سابقًا أن دلالة اللفظ على الحكم إما أن تكون بمنطوقه، وتسمى دلالة المنطوق، وإما أن تكون بمفهومه، وتسمى دلالة المفهوم، والمفهوم إما أن يكون حكمه موافقًا لحكم المنطوق، ويسمى -عند المتكلمين- مفهوم الموافقة، أو فحوى الخطاب، أو تنبيه الخطاب، ويسمى عند الحنفية دلالة النص، كقوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فيدل بمنطوقه على تحريم التأفف، وبمفهومه على تحريم الضرب، وإما أن يكون المفهوم مخالفًا لحكم المنطوق، ويسمى مفهوم المخالفة، أو دليل الخطاب، أو لحن الخطاب.
ودلالة المنطوق تغاير دلالة المفهوم، لكن بينهما تلازم، فهل يمكن نسخ أحدهما دون الآخر؟
اتفق الأصوليون على جواز نسخ حكم المنطوق والمفهوم الموافق معًا، ثم اختلفوا في جواز نسخ أحدهما دون الآخر، فقال بعضهم: يجوز نسخ أحدهما دون الآخر، وقال آخرون لا يجوز نسخ أحدهما دون الآخر، وقال
(1) المعتمد (1/ 419)، أصول السرخسي (2/ 59)، إرشاد الفحول ص 188، الفصول (2/ 205)، شرح الكوكب المنير (3/ 538، 541)، فواتح الرحموت (2/ 75)، الإحكام للآمدي (3/ 144)، المعتمد (1/ 421)، العضد على ابن الحاجب (2/ 195)، الإحكام لابن حزم (3/ 144)، المسودة ع 196، العدة (3/ 825)، شرح تنقيح الفصول ص 309، المحصول (3/ 486)، نهاية السول (2/ 178)، كشف الأسرار (3/ 163)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 990).
فريق ثالث: إن نسخ المفهوم يستلزم نسخ المنطوق، وأما نسخ المنطوق فلا يستلزم نسخ المفهوم، وقال فريق رابع: إذا نسخ المنطوق نسخ مفهوم الموافقة؛ لأن الأول أصل للثاني، ولكن إذا نسخ المفهوم، فلا يلزم نسخ أصله المنطوق؛ لأن المفهوم فرع، ونسخه لا يلزم منه نسخ حكم الأصل، ولكل رأي تعليله، مما لا فائدة عملية من ذلك، فهو بحث نظري فكري مما لا طائل تحته (1).
وبعد:
فإننا نلاحظ أن مباحث النسخ مهمة، وأنها تطبق عمليًّا في الحياة في جميع الأنظمة واللوائح والقوانين، ولكن النسخ في الشرع انتهى أمده، وأغلق بابه بختم النبوة، وانقطاع الوحي، وأن بعض العلماء توسع في النسخ كثيرًا حتى اعتبر أكثر أنواع التخصيص نسخًا، وقيده آخرون وحصروه في حالات، وهو الراجح في نظري، ويجب ألا يفتح باب النسخ بمعناه الاصطلاحي أو العرفي تجاه النصوص الشرعية، ويكفي معرفة الأحكام المنسوخة حتى لا يفتى بها أو يعمل بها.
(1) انظر: المعتمد (1/ 436)، الإحكام للآمدي (3/ 165)، إرشاد الفحول ص 194، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 987)، شرح الكوكب المنير (3/ 576)، فواتح الرحموت (2/ 87)، شرح العضد (2/ 200)، المحصول (3/ 539)، نهاية السول (2/ 188)، شرح تنقيح الفصول ص 315، المسودة ص 221، روضة الناظر ص 88.