الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأزمنة، فرفعها يكون نسخًا.
كما أن ما ثبت بفعل الناس وعادتهم، ثم أُقِرُّوا عليه في أول الإسلام، ثم رفع، لا يكون نسخًا، وإنما هو ابتداء شرع، كاستباحة الخمر وغيره في أول الإسلام حسب العادة المألوفة السابقة، ثم جاء التحريم، فليس ذلك بنسخ (1).
2 - قبول الحكم للنسخ:
يشترط أن يكون الحكم الشرعي قابلًا للنسخ، فإن كان لا يقبل ذلك، فلا يجوز نسخه، كالأحكام المتعلقة بأصول الدين والتوحيد والاعتقاد، وأصول العبادات، وأصول الفضائل والرذائل، كالصدق والأمانة والعدل، والكذب والخيانة والظلم وسائر الفواحش مما لا يختلف باختلاف الأحوال والأمم.
والأحكام التي لا تقبل النسخ ثلاثة أنواع:
أ- المؤبد صراحة: وهو ما ثبت بالنص الصريح بتأبيده، مثل قوله تعالى في أهل الجنة:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [المائدة: 119]، وقوله تعالى في أهل النار:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم:"الجهاد ماض منذ بعثني اللَّه إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال"(2).
ب- المؤبد دلالة: وهو شريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي استقرت بانتهاء الوحي وقبض النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها مؤبدة لا تحتمل النسخ؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولا نبي بعده، فلا نسخ لشرعه.
ب- الحكم المؤقت: إذا ثبت توقيت الحكم الشرعي لوقت معين فلا يجوز نسخه قبل مضي الوقت؛ لأن الحكم ينتهي بانتهاء وقته، ولذلك لم يقع ذلك شرعًا.
ولا يدخل في ذلك ما يتبادر إلى الذهن توقيته في بعض الآيات، كقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، وقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
(1) المستصفى (1/ 115)، البحر المحيط (4/ 78)، إرشاد الفحول ص 186 (2/ 539 ط محققة)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 955).
(2)
هذا الحديث أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا.
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، فالمقصود تحريم القربان حين الحيض دائمًا، وإباحة الأكل والشرب في ليالي رمضان حتى الفجر، وهي ليست مؤقتة، بل ثابتة على الدوام.
لكن حصل اختلاف لفظي أو ظاهري في حقيقة التأبيد، وجواز النسخ فيما لحقه تأبيد، فقال الجمهور وهم الشافعية والمالكية والحنابلة وجماعة من الحنفية: يجوز نسخ ما لحقه تأبيد؛ لأن التأبيد ظاهر في جميع الأزمان لعمومه، والمراد منه بعض الأزمان دون بعض، ولأن العادة في لفظ التأبيد هو المبالغة لا الدوام، كما تقول: لازم غريمك أبدًا، وأنت تريد لازمه إلى وقت القضاء، والمراد به لا تتركه إلى أن ينقضي وقته، ولأن المطلق يقتضي التأبيد كالمؤكد، ومع ذلك يجوز نسخه، ولأنه لما جاز انقطاع المؤبد بالاستثناء، كقوله تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4 - 5]، فجاز انقطاعه بالنسخ كالمطلق.
وقال أكثر الحنفية: لا يجوز نسخ ما لحقه تأبيد؛ لأنه يؤدي إلى التناقض والبداء، والشارع الى حكيم منزه عن ذلك، فلا يصح القول بنسخه، ولأن التأبيد كالتنصيص على كل وقت من أوقات الزمان بخصوصه، وهذا لا يجري فيه النسخ باتفاق، فكذلك المؤبد والمؤقت، وإرادة بعض الأزمنة في الخطاب الدائم مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة، فالتأبيد مانع من احتمال النسخ (1).
والراجح أن التأبيد أو التأقيت إن كان حقيقيًّا فالقول الثاني هو الراجح، وإن قصد به المبالغة ومجرد المثال فالقول الأول هو الراجح.
(1) المحصول (3/ 4911)، الإحكام للآمدي (3/ 134)، التبصرة ص 255، المعتمد (1/ 413)، أصول السرخسي (2/ 60)، كشف الأسرار (3/ 164)، البرهان (2/ 1298)، فواتح الرحموت (2/ 68)، شرح العضد على ابن الحاجب (2/ 192)، شرح تنقيح الفصول ص 310، المسودة ص 195، حاشية البناني على جمع الجوامع (2/ 85)، التلويح على التوضيح (2/ 23)، الحاوي (20/ 132)، شرح الكوكب المنير (3/ 539)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 954)، إرشاد الفحول ص 186 (2/ 540 ط محققة) أصول الأحكام ص 353، البحر المحيط (4/ 79)، الفصول في الأصول (2/ 208)، المدخل إلى مذهب أحمد ص 100. =