الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
الحمد للَّه الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، خاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأرشدنا إلى شكر النعم لتدوم، ورغبنا في الاعتراف بالفضل ليرضى المتفضل المنّان، ونصحنا بالإخلاص في العمل ليكون للَّه وحده.
وبعد:
فهذه تطوافة في رياض علم أصول الفقه، انتقلنا فيها من فينة إلى فينة، ومن أيكة إلى أخرى، نستظل بأغصانها الوارفة، ونقطف من ثمارها اليانعة، ونتذوق من ثمارها الشهية، ونجني من رحيقها الطيب، وشهدها النافع.
وقد لمست السعادة في دراسته والبحث فيه والكتابة والتأليف، وسعدت بالحياة مع أعلامه وروّاده، وأنست بزيارة ضيوفه وزوّاره، وكدت أن أنسى نفسي في هيامه وبحاره.
وأدركت يقينًا أهمية هذا العلم العظيم التي ذكرتها في مقدماته، وأنه الموئل المأمون للفقيه والمجتهد، والكوكب المنير لطالب العلم ومحبي المعرفة وعشاق الحقيقة، وأنه الساحل الآمن، والبر الأمين لاطمئنان القلب، ومسيرة العقل والفكر، فترتاح النفس إليه، وتصل إلى غايتها ومبتغاها، ويأخذ بيد الفقه والمجتهد، وطالب العلم والباحث والعالم إلى شاطئ الأمان في استنباط الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، وحسن الفهم والتأويل والتفسير لآيات اللَّه وسنة رسول اللَّه، وسائر مصادر التشريع، فيزداد الإيمان، وتقر الأنفس لشرعة الدّيّان في فقه الإسلام.
وتظهر في هذا العلم الضوابط الحكيمة التي تصون الشرع، والقواعد المحكمة في الاجتهاد والاستنباط والاستدلال لحماية العالم من الضلال والزيع، وحماية التشريع من الدّسّ، وصيانة المجتهد من الانحراف أو البعد عن الحقيقة، ليبين للناس شرع اللَّه ودينه محفوفًا بالدقة والضبط، ويرسم الطريق للمستقبل وقادمات الأيام.
وكان الانتقال واضحًا سليمًا بين أبواب أصول الفقه التي تشبه أبواب الجنة، والتزمنا منهج التدرج والمنطق، فبدأ بالمقدمات عن تعريفه، وأهميته، ونشأته، وتحديد موضوعاته، وبينا أسباب الاختلاف بين الفقهاء، وعرضنا مقاصد الشريعة، ثم ولجنا مصادر التشريع ومنابع المعرفة الأصلية والتبعية، النصية والاجتهادية، حتى وقفنا عند بيان الأحكام الشرعية الكلية التكليفية والوضعية، وسار بنا المركب إلى لجّة البحر لمعرفة مباحث الدلالات وتفسير النصوص، ثم وقفنا عند الاجتهاد والتقليد والإفتاء التي تحتاج إلى تحديد التعارض الظاهري، والترجيح الواجب، وكشف طرقه المحكمة.
وهنا أذكِّر بأمور:
1 -
التذكير بأهمية علم أصول الفقه، وبيان مكانته في العلوم الإسلامية، وحاجة الأمة إليه في كل وقت، وخاصة في العصر الحاضر، ووجوب تعلمه والتمرس عليه والعمل بموجبه من الفقيه والمجتهد والمفتي والعالم والباحث وطالب العلم، وإعادته للحياة والتطبيق والعمل.
2 -
ضرورة ربط هذا العلم بالمستجدات، وخاصة التشريعات والأنظمة التي قررت في البلاد العربية والإسلامية، والمقارنة مع القوانين والأنظمة.
3 -
ضرورة الاستفادة من علم أصول الفقه في الدعوة وسائر مناحي الحياة، ومختلف العلوم الشرعية.
4 -
ضرورة الإضافة والتجديد لهذا العلم بما يواكب الفكر والعصر والتقدم ضمن الأسس والقواعد السابقة، وقد ظهرت فيه بواكير طيبة.
وفي الختام أسأل اللَّه التوفيق، والإخلاص في القول، والعمل بما يحبه ويرضاه، وأن يردّ أمتنا إلى دينها وشريعتها ردًّا جميلًا، وأن يحسن ختامنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبع نهجه إلى يوم الدين.
الشارقة عصر الجمعة 6/ 4 / 1424 هـ الموافق 6/ 6 / 2003 م.
الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة.