الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهما على أمر خارجي، ويحتمل كل منهما التأويل والتخصيص والنسخ، وسيأتي معنى التأويل بعد قليل.
ويختلفان بأن الظاهر ليس مقصودًا من السياق، والنص مقصود أصالة من السياق، وإن النص أكثر وضوحًا وبيانًا من الظاهر، فمرتبة الظهور في النص أعلى منها في الظاهر، ولذلك يقدم النص على الظاهر، ويكون أولى منه عند المقارنة والمقابلة (1).
3 - المُفَسَّر:
المفسر في اصطلاح الحنفية: هو اللفظ الذي يدل على الحكم دلالة واضحة، ولا يحتمل التأويل أو التخصيص، ولكنه يقبل النسخ في عهد الرسالة، فهو أكثر وضوحًا من الظاهر والنص (2).
مثاله: قوله تعالى في حد القذف: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، وقوله سبحانه في حد الزنا:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فإن كلا من كلمة "أربعة""وثمانين""ومائة" لفظ مفَسَّر؛ لأنه يدل على عدد معين، والعدد المعين لا يحتمل الزيادة ولا النقص، أي: لا يحتمل التأويل.
وهكذا سائر الأعداد الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية فإنها ألفاظ مفسَّرة، فلا تحتمل التأويل أو التخصيص، كأعداد الشهود، وعدد المساكين في الكفارة، وعدد الأيام في الكفارة، وحصص الورثة في آيات المواريث، وغيرها، وكذلك نصوص القانون التي تحدد العقوبة، أو الحق، أو الدَّيْن.
ومثاله: قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] فلفظ
(1) علم أصول الفقه ص 164، تفسير النصوص (1/ 153)، (156)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 320).
(2)
أصول السرخسي (1/ 165)، علم أصول الفقه ع 166، تفسير النصوص (1/ 165)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 321)، أصول الأحكام ص 239، الحاوي الكبير للماوردي (20/ 113).
"المشركين" عامٌّ، ونصٌّ، ويحتمل التخصيص، فجاء لفظ "كافَّة" مفسَّرًا، ومنع تخصيص العام، وهكذا كل لفظ عامّ إذا لحقه ما يمنع من تخصيصه صار مفسَّرًا؛ كقوله تعالى:{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)} [ص: 73].
وكذلك كل لفظ مجمل إذا لحقه نص من الشارع يبين تفسيره، ويزيل إجماله، يصبح مفسَّرًا، ولا يحتمل التأويل أو التخصيص، كقوله تعالى في القتل الخطأ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]، فلفظ "دية" مجمل، فجاءت السنة فبيَّنت المقدار والحدود وأنواع الدية، ومثله لفظ الصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو الصيام، فهو مجمل، وجاءت السنة وبيَّنت كل ذلك فأصبحت مفسَّرة تدل على معناها دلالة واضحة لا تحتمل التأويل أو التخصيص، وكذا سائر الألفاظ التي وردت مجملة ثم بيّنها القرآن أو السنة، ولو كان متصلًا بها، كقوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)} [المعارج: 19]، ثم فسر القرآن الكريم الهلوع، فقال تعالى:{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 20 - 21]، ولذلك كانت السنة مبيّنة للقرآن كما سبق في بحث السّنة.
حكم المفسَّر:
إن حكم المفسر هو وجوب العمل به قطعًا كما بيّنه القرآن والسنة، أو كما ورد تفسيره أو تفصيله، ولا يحتمل أن يصرف عن معناه المُبَيَّن بالتأويل وغيره، مع بقاء احتمال النسخ فقط في زمن النبوة ونزول الوحي بالشروط التي ترد في باب النسخ.
ولا يكون البيان والتفسير المذكور هنا إلا من المشرع نفسه، فيكون بيانًا تفسيريًّا قطعيًّا، ملحقًا بالأصل، أما تفسير العلماء والمفسّرين والمجتهدين وشراح القانون فلا يدخل في ذلك، ولا ينفي احتمال التأويل (1).
(1) إن كلًّا من التفسير والتأويل يبين المراد من النص، ولكن التفسير يبين المراد بدليل قطعي من الشارع نفسه، فهو المفسَّر هنا، والتأويل يبين المراد بدليل ظني بالاجتهاد، ويحتمل أن يراد غيره. انظر: علم أصول الفقه ص 167 - 168، تفسير النصوص (1/ 169)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 322)، أصول الأحكام ص 240، الحاوي الكبير (20/ 113).=