الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورحمة للأمة، وهذا قول جمهور الفقهاء والأصوليين (1).
ثانيًا: مخالفة المذهب:
إذا التزم شخص بمذهب معين، فيجوز له -في الأصح- مخالفة مذهب إمامه في بعض الجزئيات لحاجة أو لدليل؛ لأن التزامه بالمذهب غير متعين وغيرم ملزَم؛ لأنه لا واجب إلا ما أوجبه اللَّه ورسوله، ولم يثبت أن اللَّه ورسوله أوجب على أحد أن يتمذهب بمذهب أحد الأئمة أو أحد العلماء (2).
ثالثًا: تقليد غير الأئمة الأربعة:
إن مذاهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم اللَّه تعالى قد لقيت القبول والانتشار، ثم عكف العلماء عليها بالدراسة والتمحيص والاستدلال والتخريج، وشاعت هذه المذاهب، واستقرت في معظم بلاد العالم الإسلامي.
وبقي في الكتب والمصادر أقوالٌ لأئمة مجتهدين كأعيان الصحابة وكبار التابعين، أو كالمذاهب المنقرضة كمذهب الليث والأوزاعي وابن جرير الطبري والظاهرية، مع مذاهب الجعفرية والزيدية والإباضية، فهل يجوز الأخذ والإفتاء من غير المذاهب الأربعة؟
قال أكثر المتقدمين والمتأخرين: لا يجوز تقليد غير المذاهب الأربعة،
(1) إرشاد الفحول ص 272، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1137)، البحر المحيط (6/ 319)، أصول الأحكام ص 381، المجموع للنووي (1/ 90 - 91)، روضة الطالبين (11/ 117)، المسودة ص 465، أعلام الموقعين (4/ 331)، شرح الكوكب المنير (4/ 574)، شرح تنقيح الفصول ص 432، جمع الجوامع والبناني عليه (2/ 200)، تيسير التحرير (4/ 253)، مختصر البعلي ص 71، صفة الفتوى ص 71.
(2)
أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1138)، إرشاد الفحول ص 272، شرح الكوكب المنير (4/ 577)، روضة الطالبين (11/ 108)، شرح تنفيح الفصول ص 432، مختصر ابن الحاجب (2/ 209)، الإحكام للآمدي (4/ 238)، تيسير التحرير (4/ 253)، فواتح الرحموت (2/ 406)، القواعد للعز بن عبد السلام (2/ 158)، البحر المحيط (6/ 320).
لأنها غير مدونة، ولا مضبوطة، ولم تثبت صحتها، ويشك في نقلها، بخلاف المذاهب الأربعة فإنها منقحة، ومضبوطة، ومدوّنة، واعتنى بها الأصحاب في كل مذهب في النقل والتدليل والتصحيح والترجيح والتدقيق، واستقرت فيها الأحكام، لذلك تطمئن النفس إلى الأخذ بها؛ لقربها من الحق، وبعدها عن الخطأ.
قال إمام الحرمين رحمه اللَّه تعالى: "أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب أعيان الصحابة رضي الله عنهم، بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا فنظروا، وبوّبوا الأبواب، وذكروا أوضاع المسائل؛ لأنهم أوضحوا طرق النظر، وهذبوا المسائل وبينوها وجمعوها".
وقال ابن الصلاح رحمه اللَّه تعالى: "يتعين تقليد الأئمة الأربعة دون غيرهم؛ لأن مذاهب الأربعة قد انتشرت، وعلم تقييد مطلقها، وتخصيص عامها، ونشرت فروعها، بخلاف مذاهب غيرهم".
قال النووي رحمه اللَّه تعالى: "وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من الأولين، وإن كانوا أعلم وأعلى درجة ممن بعدهم، لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم، وضبط أصوله وفروعه، فليس لأحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناهلين لمذاهب الصحابة والتابعين القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها، الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها كمالك وأبي حنيفة وغيرهما"(1).
ونقل السيوطي رحمه اللَّه تعالى عن بعض العلماء أن القاضي الذي يحكم بخلاف المذاهب الأربعة ينتقض حكمه؛ لأنه بمثابة مخالفة الإجماع.
وقال الشيخ سليمان البجيرمي الشافعي: لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة في إفتاء أو قضاء.
وأجاز بعض العلماء تقليد غير الأئمة الأربعة في غير الإفتاء، وتوسط العز بن عبد السلام رحمه اللَّه تعالى، وقال: إن المدار على ثبوت المذهب
(1) المجموع (1/ 91).