الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المالكية، وأبي الطيب الطبري وأبي حامد الإسفراييني والرافعي والنووي من الشافعية، والقاضي أبي يعلى وابن قدامة وابن تيمية وابن القيم من الحنابلة، وغيرهم كثير في كل مذهب، ممن لم يخل منهم عصر.
5 - مجتهد الفتيا:
وهو الفقيه الذي يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه، ويعتمد عليه في نقل المذهب والفتوى به فيما يحكيه من كتب المذهب، ومنصوصات الإمام، وتفريعات الأصحاب المجتهدين في مذهبه وتخريجاتهم، فإن لم يجد حكمًا منقولًا في مذهبه، أعطى ما في معناه مما يدركه بأدنى فكر وتأمل، وأنه لا فارق بين الأمرين، وهذا النوع أكثر من أن يحصى في كل مذهب، وفي كل عصر ممن يتصدر للفتوى والتعليم (1)، وسوف نعود لبيانه في الفصل الثالث عن الإفتاء، وهم المسمَّون اليوم بالعلماء والفقهاء والمختصين بالشريعة، وهم القائمون على الاجتهاد الجزئي، وبيان أحكام النوازل والمستجدات، ويتولون الإفتاء وبيان الأحكام للناس.
أقسام المجتهدين:
تعارف العلماء من السلف في العصور الأولى على إطلاق اسم الفقيه على المجتهد، كما أطلقوا عليه لقب المفتي، وسار الأمر على هذا المنوال في القرون الثلاثة الأولى، ثم بدأ يظهر التمييز بين المجتهد والمفتي والفقيه والعالم، ولكن بقي التداخل بينهم موجودًا، لذلك قسم ابن القيم رحمه اللَّه تعالى المجتهدين أو المفتين إلى أربعة أقسام، يحسن بيانهم للمقارنة بينهم
(1) انظر مراتب المجتهدين وأصنافهم وحالاتهم في: المجموع للنووي (1/ 17) روضة الطالبين للنووي (11/ 101)، المسودة ص 547، رسائل ابن عابدين (1/ 11)، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان ص 17، حاشية البناني على جمع الجوامع (2/ 385)، أعلام الموقعين (4/ 270)، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 113، شرح الكوكب المنير (4/ 367)، المدخل إلى مذهب أحمد ص 184، البحر المحيط (6/ 211)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1079)، أصول الأحكام ص 365، 374.
وبين مراتب المجتهدين عند الأصوليين، فقال: "المفتون الذين نَصبُوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام:
"أحدهم: العالم بكتاب اللَّه وسنة رسوله وأقوال الصحابة، فهو المجتهد في أحكام النوازل، يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت، ولا ينافي اجتهادُه تقليدَه لغيره أحيانًا، فلا تجد أحدًا من الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه في بعض الأحكام، وقد قال الشافعي رحمه الله ورضي عنه في موضع من الحج: "قلته تقليدًا لعطاء".
"فهذا النوع يسوغ لهم الإفتاء، ويسوغ استفتاؤهم، ويتأدى بهم فرض الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّه يبعثُ لهذه الأمةِ على رأسِ كلِّ مئةِ سنةٍ مَنْ يجدّدُ لها دينها" (1)، وهم غرسُ اللَّه الذين لا يزال يغرسهم في دينه، وهم الذين قال فيهم علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه: "لن تخلُو الأرضُ من قائمٍ للَّه بحجته".
"النوع الثاني: مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله، عارف بها، متمكن من التخريج عليها، وقياس ما لم ينص من ائتم به عليه على منصوصه، من غير أن يكون مقلِّدًا لإمامه، لا في الحكم ولا في الدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتَّبه وقرَّره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معًا، مثل القاضي أبي يعلى من الحنابلة".
"النوع الثالث: من هو مجتهد في مذهب من انتسب إليه، مقرر به بالدليل، متقن لفتاويه، عالم بها، لكن لا يتعدى أقواله وفتاويه ولا يخالفها، وإذا وجد نص إمامه لم يعدل عنه إلى غيره ألبتة، وهذا شأن أكثر المصنفين في مذاهب أئمتهم، وهو حال أكثر علماء الطوائف".
"وكثير منهم من يظن أنه لا حاجة به إلى معرفة الكتاب والسنة والعربية،
(1) هذا الحديث رواه أبو داود، والحاكم، والبيهقي في "المعرفة" عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.