الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند المقلد، وغلبة الظن على صحته عنده، فحيث ثبت عنده مذهب من المذاهب صح له أن يقلده، ولو كان صاحب المذهب من غير الأئمة الأربعة (1).
وأرى ترجيح القول الأول في الأصل والغالب لما لقيته المذاهب الأربعة من الرعاية والعناية، وأنها استوعبت الأدلة من القرآن والسنة بشكل صحيح وكامل، بالإضافة لاعتمادها على سائر المصادر التشريعية، لكن لا مانع للجان التشريع، ومجامع الفقه، وعند الاجتهاد الجماعي أن تختار قولًا من غير المذاهب الأربعة باعتبار دليله، ووجهة نظره، ومراعاة للمصلحة أو لتطور الظروف، واختلاف الأحوال، وإن لم يتوثق النقل الصحيح الكامل؛ لأن العبرة للدليل، وبشرط تبني هذا الرأي من أولي الأمر، كأنه مباح أمر به الحاكم فصار واجبًا في التطبيق والالتزام، كتولي القضاء للمرأة، واعتبار الطلاق الثلاث طلقة في هذا العصر، والأخذ بالوصية الواجبة، وغير ذلك، وهو ما يقع العمل به عند وضع القوانين والأنظمة المستمدة من الشريعة واختيار بعض الآراء فيها للمصلحة ومقتضيات الزمن والعصر وحالة المسلمين.
رابعًا: التلفيق وتتبع الرخص:
نتج عن تقليد المذاهب مسألة التلفيق بينها، وذلك أن يأخذ الشخص في قضية واحدة ذات أركان، أو جزئيات، بقولين أو أكثر، كل قول من مذهب، لينتج حقيقة مركبة لا يقرها أحد الأئمة، أو لا تتفق مع أي مذهب بمفرده، سواء عمل في الواقعة بالقولين معًا، أو عمل بأحدهما مع بقاء أثر الثاني، فكل مذهب يقرر بطلان تلك الحقيقة الملفقة.
مثاله: أن يكتفي المصلي في وضوئه بمسح بعض الرأس حسب المذهب الشافعي، ثم يلمس امرأة أجنبية، فيريد أن يقلد أبا حنيفة أو مالكًا بعدم نقض الوضوء باللمس، ثم يريد الصلاة، فهذا الوضوء حينئذ لم يقل به هؤلاء الأئمة، فالشافعي يبطله لنقضه باللمس، وأبو حنيفة يبطله لعدم مسح
(1) حاشية البجيرمي على شرح الإقناع للخطيب (1/ 51)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1139)، البحر المحيط (6/ 291، 318).
ربع الرأس، ومالك لا يقره لعدم مسح جميع الرأس.
ومثاله: أن يتزوج رجل امرأة بلا ولي حسب رأي الحنفية، وبلا شهود حسب رأي المالكية.
ومثاله: أن يطلق شخص زوجته ثلاثًا، ثم تتزوج بابن تسع سنين بقصد التحليل حسب رأي الشافعية، ثم يصيبها الصبي، ثم يطلقها مع عدم العدة حسب الرأي الإمام أحمد وذلك لتحل لزوجها الأول.
فهذا التلفيق ممنوع؛ لأنه أشبه باللعب، ويناقض اتفاق العلماء بمنع إحداث قول ثالث إذا افترق العلماء على قولين، وهذا فرع أيضًا عن نظرية التقليد.
أما التلفيق بأخذ رأي مذهب مثلًا في الوضوء، ثم الأخذ برأي مذهب آخر في وضوء آخر، فلا مانع، أو الأخذ برأي مذهب آخر في جزئية في الوضوء لكنها لا تتنافى مع المذهب الأول، كمن توضأ كاملًا مع السنن حسب المذهب الشافعي ومسح جميع رأسه، ودلك الأعضاء، ثم لمس امرأة أجنبية، فيجوز له أن يصلي بذلك الوضوء باعتبار أنه لم ينقض حسب المذهب الحنفي والمالكي، وهذا فرع عن المسألة الثانية في جواز مخالفة الشخص لمذهبه.
لكن يشترط في التلفيق الجائز، أو تقليد مذهب آخر في نفس المسألة، شرطان:
1 -
ألا يؤدي ذلك للتهرب من الأحكام.
2 -
ألا يؤدي ذلك لتتبع الرخص.
فالشرط الأول: كمن يلفق في الأخذ في مسألة من مذهبين للتهرب من الزكاة مثلًا، أو لتحليل الحرام.
والشرط الثاني: يؤدي إلى إسقاط التكاليف في كل مسألة مختلف فيها، ويدل على قلة الورع في الدِّين، وعدم الهمة لأداء الأعمال لاكتساب الأجر والثواب.
وإن تتبع الرخص: يعني أن يأخذ الشخص من كل مذهب ما هو أهون عليه، وأيسر مما يطرأ من المسائل.
واختلف العلماء في حكم تتبع الرخص، فقال المالكية والحنابلة في