الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا لم يكن له رزق (راتب)، فقال الشافعية: ليس له أخذ أجرة من أعيان من يفتيه على الأصح كالحاكم القاضي، وقال الحنابلة: يجوز لمن تعينت عليه الفتيا، وليس له كفاية، أن يأخذ رزقًا من المستفتي على الصحيح؛ لأنه إن لم يأخذ أفضى ذلك إلى ضرر يلحقه في عائلته إنه كانوا، وإلى الحَرَج المنفي شرعًا، وإن لم يفت حصل ضرر للمستفتي فتعين الجواز (1).
وقال الصيمري والخطيب البغدادي من الشافعية وأكثر الحنابلة: لو اتفق أهل بلد مع عالم ليتفرغ لهم للفتوى، جاز له أخذ الرزق (الراتب) من أموالهم، وفي قول: لا يجوز له ذلك (2).
5 -
يجوز للمفتي قبول الهدية عامة، إلا إذا قصد المستفتي بهديته أن يفتيه بما يريد فتحرم وتصير رشوة، كالهدية للقاضي (3).
ثالثًا: آداب إصدار الفتوى:
1 -
يجب على المفتي اتباع الحكم المفتى به بالدليل، وذلك بذكر حجته إذا كان نصًّا واضحًا مختصرًا، وخاصة إذا كان المستفتي فقيهًا عالمًا، لا عاميًّا، وبشكل أخص إذا كانت الفتوى عامة، وتعلق وتنشر على الناس.
2 -
يجب على المفتي الالتزام بالأحكام المجمع عليها، ويحرص على بيان الأحكام المتفق عليها بين المذاهب.
3 -
إذا كانت الفتوى مختلفًا فيها بين المذاهب، وكان المفتي مذهبيًّا، فيجب عليه اعتماد القول المعتمد الراجح في المذهب، كما سبق، ويجب أن يكون اعتماده على الكتب الموثوقة في المذهب التي تنص على القول الراجح المعتمد، ويتجنب الأقوال الضعيفة المرجوحة، أما إن كان مجتهدًا فيفتي
(1) المجموع (1/ 77)، شرح الكوكب المنير (4/ 547، 548)، أعلام الموقعين (4/ 294)، المسودة ص 544، 545، الفروع (6/ 440)، صفة الفتوى ص 35، روضة الطالبين (11/ 111).
(2)
المجموع (1/ 77)، شرح الكوكب المنير (4/ 548)، والمراجع السابقة.
(3)
المجموع (1/ 77)، شرح الكوكب المنير (4/ 549)، روضة الطالبين (11/ 111).
باجتهاده دون تقيد بمذهب، وهذا قليل الآن (1).
4 -
يجب على المفتي أن يحرص في الفتوى على موافقة الشرع، وتحقيق المقاصد الشرعية، والمصالح العامة، ويتجنب الفتوى حسب أهواء الناس ورغباتهم، أو حسب أهواء الحكام وميولهم، ويجب أن يتحرى المصلحة العامة، ويتحرز ما يؤدي إلى فتنة، أو يلحق أذى بالناس، أو يؤدي إلى التنازع أو تفريق الصفوف، وعليه الامتناع عن الفتوى إن علم أن المستفتي يريد بالفتوى اتباع الهوى، وليس الحق، وأنه يريد استغلالها للترويج لأمر غير مشروع.
وإذا أصدر الحاكم حكمًا يوافق الشرع وله دليل شرعي معتبر، ويراه المفتي حقًّا، فلا مانع من تأييده.
5 -
يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حرم استفتاؤه ووجب منعه، ومن التساهل أن لا يتثبت، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، إلا إذا تقدمت في السابق، فلا بأس من المبادرة، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة، ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة، والتمسك بالشبه طلبًا للترخيص لمن يريد نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره (2).
6 -
إذا تكرر الاستفتاء في حادثة، وتذكر المفتي الأولى ودليلها الشرعي، أو حكمها في المذهب المنتسب إليه، أفتى بذلك مباشرة، وإن لم يذكر الدليل والحكم المذهبي، فيجب تجديد النظر والبحث، على الأصح (3).
(1) البحر المحيط (6/ 296)، روضة الطالبين (11/ 111).
(2)
قال النووي رحمه اللَّه تعالى: "وأما من صح قصده، فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسن جميل، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان: إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد" المجموع (1/ 76)، وانظر: المجموع (1/ 78)، صفة الفتوى ص 31، روضة الطالبين (11/ 110)، أعلام الموقعين (4/ 282)، سنن الدارمي (1/ 57، 60).
(3)
المجموع (1/ 78)، شرح الكوكب المنير (4/ 553)، أعلام الموقعين (4/ 295)، =
7 -
يجوز للمفتي التشديد والتفليظ في الفتوى لمصلحة، وإن كان لا يرى ذلك، لكن فيه تأويل، زجرًا للمستفتي، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن توبة القاتل؟ فقال: لا توبة له، وسأله آخر، فقال: له توبة، ثم قال: أما الأول فرأيت في عينيه إرادة القتل، فمنعته، وأما الثاني فجاء مستكينًا قد قتل، فلم أقنطه (1).
8 -
يجب على المفتي أن تكون فتواه صريحة جازمة واضحة محددة، فلا يقتصر على ذكر الخلاف، أو القولين فيها؛ لأن مقصود المستفتي بيان ما يعمل به، فينبغي الجزم بما هو الراجح، فإن لم يعرفه، توقف حتى يظهر له، ولأن الفتوى غير الواضحة لا تفيد المستفتي، ولا تحقق الغرض من الفتوى، فيجب أن يجزم بما هو الراجح (2).
9 -
أن يتجنب المفتي الخوض في المسائل الكلامية، بل يمنع المستفتي وسائر العامة من الخوض في ذلك، ليقتصروا على الإيمان جملة، وعلى أركانه، وكذا في آيات الصفات والأخبار المتشابهة، فإن الفتوى لا تغني فيها ولا تفيد، وكذا تجنب الفتوى فيما لا وجود له كالرق والعتق والعبيد، والكلام عن اختلاف الصحابة والسلف واقتتالهم، فلا جدوى من ذلك، والأصل في الفتوى السؤال عما يوجب عملًا، ويبعد عن محرم وشر وضرر، ولا يدخل فيها الأمور النظرية (3).
10 -
يستحسن كتابة السؤال، ثم بيان الجواب له، والبدء بالفتوى
= صفة الفتوى ص 37، المسودة ص 467، 522، 542، شرح تنقيح الفصول ص 442، مختصر ابن الحاجب (2/ 307)، البحر المحيط (6/ 302)، جمع الجوامع والبناني (2/ 394)، المحصول (3/ 95)، الإحكام للآمدي (4/ 233)، نهاية السول (3/ 265)، تيسير التحرير (4/ 231)، المعتمد (2/ 932)، فواتح الرحموت (2/ 394)، مختصر البعلي ص 167.
(1)
المجموع (1/ 83).
(2)
المجموع (1/ 79)، روضة الطالبين (11/ 113).
(3)
المجموع (1/ 87).