الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع: الترجيح بين النصوص بأمر خارج:
وهو الترجيح بين الدليلين بدليل آخر خارج عنهما، أي: لا يتعلق بالسند ولا بالمتن، وإنما بوجود دليل آخر خارج عن الدليلين المتعارضين، وفيه وجوه كثيرة، أهمها:
1 -
يرجح أحد الدليلين بموافقة دليل آخر له من كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس، أو عقل، أو حسّ؛ لأنه يفيد ظنًّا أقوى من معارضه الذي لم يوافقه دليل آخر، فيعمل بالأقوى لكونه أقرب إلى القطع، وهذا ما يعمله العقلاء، ويجري عليه العرف، ولأن في مخالفة الدليلين محذورًا أكثر من مخالفة الدليل الواحد، وهذا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما اللَّه تعالى: لا يُرجح بذلك، وإنما يتساقط الدليلان، ويترك العمل بهما، فلا ترجيح عندهم بكثرة الأدلة، قياسًا على عدم الترجيح عندهم في الشهادة بكثرة العدد، ولأنه يؤدي إلى ترجيح القياس على الخبر عند تعارضهما؛ لأن القياس يوافقه قياس آخر.
وردَّ الجمهور عليهم هذا الرأي والاستدلال بوجود القول في ترجيح الشهادة بكثرة العدد عند بعض الفقهاء، وأن القياس المخالف للخبر ليس دليلًا أصلًا؛ لأن من شروط صحة القياس عدم معارضته للنص، والراجح قول الجمهور؛ لحصول القوة بالدليل الآخر، وهو ما يفعله الحنفية في فروعهم.
2 -
يرجح الدليل الذي عمل به الخلفاء الراشدون، أو أهل المدينة، وإن لم يكن عمل أهل المدينة حجة عند الجمهور، ولكنه يُقوى به؛ لأن الظاهر بقاؤهم على ما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وللحث على اتباع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ولأن الظاهر أنهم لم يتركوا النص الآخر إلا لحجة عندهم.
3 -
يرجح الدليل الذي عمل به أكثر السلف؛ لأن الأكثر يُوفق للصواب ما لا يوفق له الأقل، وكذلك إذا عمل بالدليل بعض الأمة، فيرجح؛ لأنه يكون أغلب على الظن قبوله.
4 -
يرجح الدليل الذي ذكر فيه الحكم الشرعي معلّلًا بعلة على الحكم
المذكور بدون علة؛ لأن الأول أقرب إلى تحصيل مقصود الشارع، والنفس له أقبل بسبب تعقل المعنى، وكذا إذا علّل حكمان، وكانت علة أحدهما أرجح، فيرجح على الثاني، كما سيأتي في الأقيسة.
5 -
يرجح الدليل الموافق للقياس على الدليل المخالف للقياس، والمراد بالقياس هنا القواعد العامة والمبادئ المستقرة في الشرع، فيكون الدليل المعقول المعنى أغلب شرعًا، فالإلحاق بالغالب أولى من الإلحاق بالنادر.
6 -
يقدم الدليل الذي يكون أقرب للاحتياط وبراءة الذمة؛ لأنه يتفق مع تحصيل المصالح ودفع المضار.
7 -
يرجح الدليل الذي يكون تأويله أرجح من الدليل الذي يكون تأويله أقل؛ لأن في الأول مزية بذلك.
8 -
يُرجح الدليل الذي فسّره الراوي بفعله أو قوله على الدليل الذي لم يفسره راويه؛ لأن تفسير الأول يفيد ظنًّا أوثق؛ لأنه أعرف بما رواه، كحديث عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما في حديث خيار المجلس:"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا"(1)، فيبن ابن عمر أن المراد بالتفرق بالأبدان (2)، فاشتمل على فائدة زائدة.
9 -
يرجح الخبر الذي ذكر الراوي سببه على الخبر الذي لم يبين راويه سببه؛ لأن ذكر السبب يدل على زيادة اهتمام الراوي بروايته.
10 -
يرجح الخبر المؤرخ بتاريخ مضيّق، كأول شهر كذا من سنة كذا على الخبر المؤرخ بتاريخ موسّع؛ لأن الأول يدل على زيادة اهتمام راويه به، وأن الثاني يحتمل كونه قبل الشهر المذكور في المضيق أو بعده، فيقدم ذو التاريخ المضيّق.
(1) هذا الحديث رواه البخاري (2/ 732، 743) ومسلم (10/ 173) والترمذي (4/ 448).
(2)
قال الترمذي رحمه اللَّه تعالى: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق
…
، وقال بعض أهل العلم
…
الفرقة بالكلام، والقول الأول أصح؛ لأن ابن عمر هو الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم بمعنى ما روى عنه" جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي (4/ 450).