الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التقليد:
قال جمهور العلماء بحرمة التقليد في القسم الأول في العقائد والأصول العامة، ويجوز التقليد في الفروع والأعمال، وخالف قوم بالأمرين، وفصل فريق ثالث.
أولًا: حكم التقليد في العقائد والأصول العامة:
اختلف العلماء في حكم التقليد في العقائد والأصول العامة على ثلاثة أقوال، وهي:
القول الأول: لا يجوز التقليد في العقائد، وهي المسائل العقلية، وفي الأصول العامة كالأخلاق وما علم من الدِّين بالضرورة، والأصول الشرعية، وهو قول جمهور العلماء والمذاهب والأئمة، وحكاه بعضهم إجماعًا عن أهل العلم، وذكره بعضهم عن عامة العلماء، وهو الصحيح، وذلك يقتضي معرفة الأمر بنظر واستدلال مهما بلغ ذلك، كل حسب قدرته وكفاءته وأهليته.
واستدل الجمهور على رأيهم بأدلة، منها:
1 -
إن اللَّه تعالى أمر بالتدبر والتفكر والنظر، فيكون ذلك واجبًا، وفي التقليد ترك الواجب، فلا يجوز، ودليل ذلك قوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ} ، [آل عمران: 190 - 196] فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "وَيْلٌ لمنْ قَرَأهُنَّ ولم يَتَدَبَّرْهُنَّ، وَيْلٌ له، ويلٌ
له" (1)، فالرسول توعّد وشدَّد على ترك النظر والتفكر في آيات اللَّه للوصول إلى معرفة اللَّه والإيمان به ومعرفة صفاته، فدل على وجوب النظر.
2 -
الإجماع: أجمعت الأمة على وجوب معرفة اللَّه سبحانه وتعالى، وما يجوز له، وما لا يجوز، ولا تحصل المعرفة بالتقليد؛ لجواز كذب المُخْبِر، واحتمال خطئه، فيضلَّ المقلّد، كالمقلِّد في حدوث العالم أو في قدمه (2).
فرع: الاعتقاد من غير دليل:
يتفرع على قول الجمهور: إن من اعتقد من غير معرفة دليل، فقال أكثر الأئمة: إنّه مؤمن، ومن أهل الشفاعة، وإن قصّر عن ترك الاستدلال، وبه قال أئمة الحديث؛ لأن الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ولا قاربوها اكتفي منهم بالإيمان العام، ولم يكلفهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم- بمعرفة ذلك، ولم يخرجهم عن الإيمان بتقصيرهم عن البلوغ إلى العلم بذلك بأدلته، وهو الإيمان الجملي الذي كان عند خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وهو ما عليه عامة المسلمين في كل عصر (3).
القول الثاني: يجوز التقليد في العقائد والأصول العامة، وهو قول بعض العلماء؛ لإجماع السلف على قبول الشهادتين من غير أن يقال لقائلهما: هل نظرت؟ وقالوا: إذا عرف الإنسان اللَّه، وصدَّق رسله، وسكن قلبه إلى ذلك،
(1) هذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وعبد بن حُميد في تفسيره، والطبراني وابن مردويه، وتذكره كتب التفسير، انظر: تفسير ابن كثير (1/ 440)، الكشاف (1/ 487).
(2)
الإحكام للآمدي (4/ 223)، الإحكام لابن حزم (2/ 861)، نهاية السول (3/ 264)، تيسير التحرير (4/ 243)، فواتح الرحموت (2/ 401)، مختصر ابن الحاجب (2/ 305)، شرح تنقيح الفصول ص 430، 444، المحصول (3/ 125)، المحلي والبناني على جمع الجوامع (2/ 402)، المسودة ص 457، 460، الروضة ص 382، مختصر البعلي ص 166، مختصر الطوفي ص 183، شرح الكوكب المنير (4/ 533)، المعتمد (2/ 941)، إرشاد الفحول ص 266، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1122)، أصول الأحكام ص 380.
(3)
إرشاد الفحول ص 266، شرح الكوكب المنير (4/ 534).
واطمأن عليه، فلا علينا من الطريق: تقليدًا كان أو نظرًا أو استدلالًا، واحتج أصحاب هذا القول بأدلة، منها:
1 -
لو كان النظر واجبًا لفعله الصحابة، وأمروا به، والواقع أنهم لم يفعلوا، ولو فعلوا لنقل عنهم، كما نقل النظر في المسائل الفقهية.
ويردّ على هذا الدليل بأن معرفة الصحابة بالعقائد كانت مبنية على الدليل باعتمادهم على السليقة في الفهم، ومشاهدة الوحي، وكانوا مأمورين بالنظر كغيرهم، وهو ما أفادهم الطمأنينة، وأفاد غيرهم من عامة الناس بالأدلة الكافية من الوقائع والمشاهدات التي تفيد الإيمان، ولكثرة ذلك في خلق الإنسان والكون والحياة مما يفيد الدليل على وجود اللَّه، وكمال صفاته، وسلامته من النقص.
2 -
لو كان النظر في معرفة اللَّه واجبًا، لأدى إلى الدور، وهو توقف وجود الشيء على ذاته؛ لأن وجوب النظر المأمور به من اللَّه متوقف على معرفة اللَّه، ومعرفة اللَّه متوقفة على النظر.
ويردَّ على ذلك أنه لا دَوْر؛ لأن وجوب النظر الشرعي متوقف على معرفة اللَّه بوجه ما، ومعرفة اللَّه متوقفة على النظر بوجه أكمل بصفات الكمال وامتناع النقص، فهما أمران.
ولذلك فإن العقائد تحتاج للعلم بناء على اعتقاد جازم مطابق للواقع عن دليل، والتقليد يكون بلا دليل، فلا يقبل فيها (1).
القول الثالث: يجب التقليد في العقائد والأصول العامة، ويحرم النظر والاجتهاد، وهو قول بعض العلماء، لأن حجج العقول باطلة، وإن النظر
(1) فواتح الرحموت (2/ 401)، المعتمد (2/ 402)، المحصول (3/ 264)، الإحكام للآمدي (4/ 223)، شرح تنقيح الفصول ص 420، المسودة ص 457، شرح الكوكب المنير (4/ 534)، مختصر ابن الحاجب (2/ 305)، تيسير التحرير (4/ 243)، نهاية السول (3/ 264)، إرشاد الفحول ص 266، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1123). =