الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
نصوص أصول الدين، كالعقائد، وصفات الباري عز وجل وما ورد في الآيات أن له يدًا، وعينًا، وكرسيًّا، وفواتح السور، مثل "الَمَ، حم، قَ"، وهذا القسم اختلف العلماء في تأويله، فرأى بعضهم تأويله، وخالف جمهور العلماء والمفسرين والأصوليين فيه (1)، وهو ما نشير إليه في بحث "المتشابه".
شروط التأويل:
يشترط لصحة التأويل حتى يكون مقبولًا أربعة شروط، وهي:
1 -
أن يكون اللفظ قابلًا للتأويل، كالظاهر والنص عند الحنفية، دون المفسّر والمحكم، ومثل الظاهر عند المتكلمين، ومرت الأمثلة لذلك، كصرف العام عن عمومه وإرادة بعض أفراده بدليل فهو تأويل صحيح؛ لأن المطلق يحتمل التقييد، ومثل صرف المعنى الحقيقي إلى المجاز بقرينة مقبولة فهو تأويل صحيح؛ لأنه صرف اللفظ إلى معنى يحتمله بدليل؛ لأن التأويل في هذه الحالات يكون موافقًا لوضع اللغة، أو عرف الاستعمال، أو عرف الشرع، أو حكمة التشريِع وأصوله العامة، وإلا كان تأويلًا غير صحيح، وهذا مما تختلف فيه الآراء.
(1) اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب، الأول: مذهب المشبِّهة، وهو عدم التأويل مطلقًا، وإجراء الألفاظ على ظاهرها، ولا يؤول شيء منها، وشبهوا الخالق بالمخلوقين، والثاني: مذهب السَّلف، وهو أن لها تأويلًا، ولكن نمسك عنه، مع تنزيه اللَّه تعالى عن التشبيه والتعطيل، والثالث: مذهب المؤَوِّلة، أو الخلف، وهو رأي ابن عباس وعلي وابن مسعود وأم سلمة من الصحابة رضي الله عنهم، مع تصريحهم بالتقديس للَّه تعالى، والتنزيه عن صفات المخلوقين، والتبري من التحديد والتشبيه، فأوّلوا مثلًا اليد بالقوة، والعين بالعلم، وقال كثير من المفسرين والفقهاء والعلماء بهذا الرأي، وعاد أكثرهم إلى مذهب السلف بالتسليم والتفويض.
انظر: إرشاد الفحول ص 176 - 177، البحر المحيط (3/ 440)، سير أعلام النبلاء للذهبي (18/ 468)، (21/ 500)، تفسير النصوص (1/ 372، 378) وما بعدها، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 314)، شرح الكوكب المنير (3/ 461).
مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "في كل أربعينَ شاةً شاةٌ"(1)، فصرف الحنفية الشاة الواجب دفعها زكاة عن الأربعين من الغنم السائمة غير المعلوفة إلى قيمتها؛ لأن الغرض من إيجاب الزكاة، وحكمة التشريع فيها دفع حاجة الفقراء، وقد تدفع حاجة الفقير بقيمة الشاة أكثر، فيرادُ بالشاةِ شاة، أو ما يعادلها من كل مال متقوَّم، لكن الجمهور اعتبروه تأويلًا بعيدًا ولم يأخذوا به.
ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اشْتَرى شاةً مُصَرَّاةً فهو بالخيار بين أن يُمْسِكَها وبَيْنَ أن يَرُدَّها وصاعًا من تمر"(2) فالظاهر أن المشتري إذا أراد ردّ الشاة المصرّاة فيجب أن يعوِّض البائع بصاع من تمْرٍ عما احتلب من لبنها، فأوّل الحنفية الصاع من تمر إلى قيمته، ليكون تعويضًا عما أتلفه من لبن الشاة، وهذا يتفق مع الأصول العامة في كون التعويض وضمان المتلفات بمثل ما أُتلف أو بقيمته، والغرض تعويض البائع عما خسره من لبن شاته.
ومثاله: تأويل الجمهور لفرض الأم في الميراث بالثُّلُث إلى ثلث ما بقي بعد فرض أحد الزوجين، في إحدى المسألتين الغرَّاويتين، منعًا من زيادة نصيبها في الإرث عن نصيب الأب.
ومثاله: في القانون الجنائي: لفظ الليل الذي جعله القانون في جريمة السرقة وفي جريمة إتلاف المزروعات ظرفًا مشدّدًا للعقوبة، فظاهر اللفظ أن الليل من غروب الشمس إلى شروقها، فأوّلت بعض المحاكم ذلك إلى أن المراد بالليل إذا خيَّم الظلام، وربما لا يكون ذلك أثر غروب الشمس مباشرة؛ لأن ذلك لا يتفق وحكمة الشارع في جعل الليل ظرفًا مشددًا؛ لأن الغرض تشديد العقوبة على من يغتنم الظلام فرصة لارتكاب جريمته، ولكن محكمة النقص المصرية رفضت هذا التأويل (3).
(1) هذا الحديث أخرجه البخاري وأبو داود من حديث طويل عن أبي بكر رضي الله عنه.
(2)
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأبو داود والبيهقي وبقية أصحاب السنن بألفاظ متعددة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
(3)
إرشاد الفحول ص 177، علم أصول الفقه ص 165، تفسير النصوص (1/ 380، 387، 408)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 314)، أصول الأحكام =
2 -
أن يستند التأويل إلى دليل صحيح يدل على صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى غيره، وأن يكون هذا الدليل راجحًا على ظهور اللفظ في مدلوله؛ لأنه سبق أن الأصل في نصوص الشرع أن نعمل فيها بالظاهر إلا إذا قام دليل العدول عنه إلى غيره، فالأصل أن يبقى العام على عموهه، ولا يُقتصر فيه على بعض أفراده إلا بدليل، والأصل أن يبقى المطلق على إطلاقه ولا يُعْدل عنه إلى التقييد إلا بدليل، والأصل أن الأمر للوجوب ولا يُصرف إلى الندب أو الإرشاد أو الإباحة إلا بدليل، والأصل أن النهي للتحريم ولا يُعدل عنه إلى الكراهة مثلًا إلا بدليل، فلا بدَّ في التأويل من دليل صحيح.
والدليل للتأويل تتفاوت درجاته حسب درجة إمكانية التأويل، فإن قرب التأويل كفى أدنى مرجح، نحو قوله سبحانه:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6]، أي: إذا عزمتم على القيام لأداء الصلاة؛ لأن الشارع لا يطلب الوضوء من المكلف بعد الشروع في الصلاة، لأن الوضوء شرط لصحة الصلاة، والشرط يوجد قبل المشروط، وإن كان التأويل بعيدًا افتقر إلى دليل أقوى ليرجَّح على الظاهر والنص، وستأتي أمثلة التأويل البعيد، وإن تعذر الحمل لعدم الدليل رُدَّ التأويل وجوبًا، وكان مردودًا وباطلًا أو فاسدًا، كما سبق.
3 -
أن يكون اللفظ الذي يُراد تأويلُهُ يحتمل المعنى الذي يؤوّل إليه، ولو احتمالًا مرجوحًا، وهذا يختلف باختلاف وجهات النظر، كما سيأتي في التأويل البعيد والاختلاف فيه.
4 -
أن تتوفر في الناظر في التأويل الأهلية الكافية في الاجتهاد، ليوافق تأويلُه وضع اللغة، أو عرف الاستعمال، أو العرف الشرعي (1).
= ص 245.
وقارن ما قاله ابن النجار رحمه اللَّه تعالى في مناقشة الحنفية في تأويل الشاة في: شرح الكوكب المنير (3/ 465).
(1)
شرح الكوكب المنير (3/ 461)، إرشاد الفحول ص 177، تفسير النصوص (1/ 380) وما بعدها، (389) أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 314).