الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث الإفتاء
تعريفه وصلته بالاجتهاد والتقليد:
الإفتاء لغة: الإبانة، وأفتاه في الأمر: أبان الحكم له، وأفتى الرجلُ في المسألة، واستفتيته فيها فأفتاني إفتاء (1).
والإفتاء اصطلاحًا: الإخبار عن الحكم الشرعي، أو إجابة السائل عن الحكم الشرعي لتصرف ما.
والإفتاء بيان لحكم اللَّه تعالى في أمور الدِّين، ويصدر عن العالم بشرع اللَّه تعالى، وهذا العالم إما أن يكون مجتهدًا لبيان الأحكام من أدلتها، وإما فقيهًا في اصطلاح الأوائل، وهو المجتهد، وإما متبعًا لمذهب بأن يعرف أحكام الفقه في المذهب مع أدلتها، وإما أن يكون متفقهًا، وهو من درس الفقه في مذهب ما، وعرف أحكامه، ثم يبيّنها للناس، وهم المستفتون أو المقلدون.
ومن هنا تظهر الصلة بين الإفتاء والاجتهاد والتقليد، وكأن المفتين غالبًا واسطة بين المجتهدين والمقلدين، أو الافتاء حلقة الوصل غالبًا بين الاجتهاد والتقليد، ولذلك نعرضه بعد ما سبق بيان الاجتهاد والتقليد.
والفارق بين الاجتهاد والإفتاء هو أن الإفتاء أخص من الاجتهاد، فإن الاجتهاد استنباط الأحكام وبيانها، سواء كانت بسؤال أو بدون سؤال، أما الإفتاء فلا يكون إلا في واقعة يُسأل المفتي عن حكمها (2).
والإفتاء له مكانة رفيعة في الشرع، لأنه أهم وسيلة لبيان حكم اللَّه تعالى
(1) المعجم الوسيط (2/ 673).
(2)
المجموع (1/ 70)، المسودة ص 555، أعلام الموقعين (4/ 220)، صفة الفتوى ص 29، روضة الناظر ص 384، مختصر الطوفي ص 185، مختصر البعلي ص 167، شرح الكوكب المنير (4/ 544)، البحر المحيط (6/ 305)، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194، إرشاد الفحول ص 265، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1156).
في كل أمور الحياة، ولجميع الناس، فهو أمانة جسيمة، ومسؤولية خطيرة في الدنيا والآخرة، وكثيرًا ما يشبه القضاء في بيان الحق الشرعي للمتخاصمين أو المتنازعين أو المختلفين، وينتهي الأمر (1).
والأصل في الإفتاء أنه من عمل العلماء بصفتهم العلمية، وأنه أهم وظيفة دينية عامة وغير رسمية، وقاموا بها ابتداء من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم صحابته إلى اليوم، وستبقى حتى تقوم الساعة، ثم قام أولياء الأمور بتعيين المفتي العام في الدولة، وتعيين مفتين موظفين رسميًا للقيام بأمور الفتوى، سواء وردت من أصحاب السلطة، أو الإدارات والمؤسسات، والوزارات، أو من عامة الشعب، وقد تكون الفتوى الرسمية جماعية من هيئة كبار العلماء لتأمين الدقة والحياد والموضوعية والتعمق، دون أن يؤثر ذلك على سائر العلماء في القيام بالفتوى على أوسع نطاق شعبي.
(1) يختلف الإفتاء عن القضاء أن الإفتاء إخبار بالحكم الشرعي بدون إلزام للمستفتي وغيره، أما القضاء فهو إخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام للطرفين وغيرهم، انظر: التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي، لنا ص 47، 60.