الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبارة على المعنى المقصود أصالة من السياق لقال: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فاقتصروا في عدد الزوجات، بأن يكون اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فإن خفتم ألا تعدلوا عند التعدد فاقتصروا على واحدة (1) وأكثر آيات القرآن وأحاديث السنة تدل على الأحكام بطريق عبارة النص في العبادات والمعاملات والأخلاق، وكذلك فإن الأمثلة القانونية كثيرة للدلالة على عبارة النص، وتشمل كل نص قانوني ورد لحكم خاص قصده المشرع، وصاغ ألفاظه وعباراته لتدل عليه دلالة واضحة (2).
2 - إشارة النص:
هي: المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه، ولا يقصد من سياقه أصالة ولا تبعًا، ولكنه معنى لازم للمعنى المتبادر من ألفاظه، فالدلالة بالإشارة ثبتت من اللفظ أو النص لغة، ولكنها بطريق الالتزام للمعنى المتبادر من جهة، وأنها لم يُسق الكلام لأجلها من جهة ثانية، وهذا التلازم أو الاستدلال بالإشارة قد يكون ظاهرًا ويفهم بأدنى تامل، وقد يكون خفيًّا يحتاج إلى دقة ونظر وتأمل، ولذلك يختلف فيه العلماء لإدراكه وفهمه، ويحتاج إلى أهل الاختصاص أو الاجتهاد ممن يكون عالمًا باللسان العربي وأسرار اللغة، ولا عبرة بالاستدلال بالإشارة ما لم يكن صاحبها من أهل الاختصاص (3).
مثاله: قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، فالآية تدل بعبارتها على وجوب نفقة الوالدات المرضعات وكسوتهن على الأب دون الأم، وهذا
(1) علم أصول الفقه ص 144، تفسير النصوص (1/ 471)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 349)، أصول الأحكام ص 253، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 128.
(2)
تفسير النصوص (1/ 471)، والمراجع القانونية في هامشها، أصول الأحكام ص 254، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 350).
(3)
أصول السرخسي (1/ 237)، كشف الأسرار (1/ 68)، تيسير التحرير (1/ 91)، فواتح الرحموت (1/ 413)، إرشاد الفحول ص 178، علم أصول الفقه ص 145، تفسير النصوص (1/ 478)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 350)، أصول الأحكام ص 254، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 129.
هو المتبادر من الألفاظ، والمقصود من السياق، ويلزم منه أي يفهم من إشارته أن الأب لا يشاركه أحد في الإنفاق على أولاده؛ لأن الولد له لا لغيره، وتدل العبارة بالإشارة، أي يلزم منها، أن نسب الولد إلى أبيه لا يشاركه فيه أحد؛ لأن اللَّه تعالى أضاف الولد إليه بحرف اللام التي هي للاختصاص، والمقصود الاختصاص بالنسب، وهذا مفهوم من إشارة النص (1).
ومثاله: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ثم قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فالنص القرآني يدل بالعبارة على إباحة الأكل والشرب والجماع في جميع الليل إلى طلوع الفجر، ويفهم منه بالإشارة أن من أصبح جنبًا بعد الفجر فصومه صحيح؛ لأن اللَّه تعالى أباح الجماع إلى قبيل طلوع الفجر، فيلزم منه أن يطلع الفجر وهو جنب، وهذا المعنى غير مقصود بالسياق، لكنه لازم للمعنى السابق (2).
ومثاله: قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} ثم قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 7 - 8]، فالآية دلت بالعبارة على استحقاق الفقراء المهاجرين نصيبًا من الفيء الذي يأخذه المسلمون من العدو بلا قتال؛ لأن ذلك يفهم من العبارة، وسيقت الآية لبيان هذا الحكم، ويدل اللفظ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} بالإشارة إلى أن المهاجرين من مكة قد زالت عنهم ملكية أموالهم التي خلّفوها بمكلة، لاستيلاء المشركين عليها؛ لأن اللَّه تعالى سمَّاهم فقراء، والفقير: هو من لا يملك المال، لا من غاب عن المال، ويعتبر
(1) علم أصول الفقه ص 146، تفسير النصوص (1/ 482)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 351)، أصول الأحكام ص 255، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 131، وسيرد مثل ذلك تمامًا عند المتكلمين (الجمهور) انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 476)، والمراجع المشار إليها في هامشها.
(2)
تفسير النصوص (1/ 481)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 351)، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 130.
الشخص غنيًّا لملكه المال سواء قَربت يده منه أو بعدت (1).
والأمثلة القانونية كثيرة في قانون العقوبات، وقانون الأحوال الشخصية، والقانون المدني، وغيره (2).
العبارة والإشارة:
إن دلالة كل من العبارة والإشارة على المعنى قطعية، ويثبت الحكم بكل منهما قطعًا إلا إذا وجد احتمال ناشئ عن دليل، فتكون الدلالة ظنية.
ولكن الثابت بالعبارة يدل عليه النص صراحة، وسيق الكلام لأجله، فالحكم فيها مقصود أولًا وبالذات، والثابت بالإشارة هو ما يلزم من حكم العبارة، أي: بالدلالة الالتزامية، والحكم لم يسق الكلام لأجله، ولما كانت هذه الدلالة الالتزامية تحتاج إلى تأمل وبحث لذلك يقع فيها الاختلاف بين العلماء.
ويترتب على النتيجة الأخيرة أنه إذا وقع تعارض بين دلالة العبارة ودلالة الإشارة، قُدِّم الحكم الثابت بالعبارة؛ لأنه أقوى، ومقصودٌ بذاته، من الحكم الثابت بالإشارة (3).
ومن أمثلة التعارض ما دلت عليه كل من الآيتين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178]، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93]، فالآية الأولى دلت بعبارة النص على وجوب القصاص من القاتل المعتدي عمدًا، والآية الثانية دلت بإشارة النص على عده القصاص من القاتل المعتدي؛ لأنها جعلت جزاءه الخلود في جهنم، والغضب عليه من اللَّه تعالى، والعذاب
(1) علم أصول ص 146، تفسير النصوص (1/ 479)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 352)، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 129.
(2)
علم أصول الفقه ص 147، تفسير النصوص (1/ 513)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 355).
(3)
تفسير النصوص (1/ 494)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 352، 358).