الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس طرق دلالة اللفظ علي المعنى
أنزل اللَّه تعالى القرآن عربيًّا، وجاءت السنة النبوية باللغة العربية، وإن الفهم الصحيح للأحكام الشرعية من القرآن والسنة يتوقف على مراعاة الأساليب في اللغة العربية وطرق الدلالة فيها، سواء كانت ألفاظًا مفردة، أم جملًا مركبة، ولذلك اتجه علماء أصول الفقه إلى استقراء الأساليب العربية وعباراتها ومفرداتها، واستعانوا بما قرره علماء اللغة فيها، ووصلوا إلى وضع القواعد والضوابط التي توصل إلى فهم الأحكام من النصوص الشرعية فهمًا صحيحًا، وبما يتطابق مع ما يفهمه العربي منها، ويحقق تفسير النصوص، ومعرفة دلالات الألفاظ بشكل سليم، وسبق بيان بعضها، ونستكمل في هذا الفصل بعضًا آخر.
وهذه القواعد والضوابط مستمدة من الأساليب العربية، ومما قرره أئمة اللغة العربية، وليس لها صبغة دينية، فهي موضوعة لفهم الألفاظ والعبارات فهمًا صحيحًا، سواء وردت في نصوص شرعية أو في قوانين وضعية صادرة باللغة العربية التي تنطق بها الأمة، وتتخاطب بها، وتُكَلّف بواسطتها، لتقدر على فهم المراد وتطبيقه مع مراعاة العرف الشرعي للألفاظ، أو المعنى المقصود للمصطلحات القانونية.
ولذلك فإن إفادة اللفظ للعموم أو الخصوص، ودلالة المطلق والمقيد، واحتمال التأويل وعدمه، ودلالة اللفظ على المعنى، ومعاني الحروف، وأن الأمر يقتضي الوجوب، والنهي يفيد التحريم، والحقيقة والمجاز والقرائن، وغير ذلك، كلها تستعمل في فهم النصوص الشرعية، وفهم نصوص القوانين المختلفة الموضوعة باللغة العربية في الدولة، ولذلك تدرس هذه المسائل في كليات الشريعة وكليات القانون والحقوق على حد سواء؛ لتساعد على التفسير الصحيح للنص التشريعي الذي يجب العمل بما يفهم منه مهما كانت طريقة الدلالة على المعنى
والحكم (1).
ولكن علماء أصول الفقه انقسموا إلى مدرستين أو طريقتين عند وضع القواعد لكيفية دلالة اللفظ على المعنى، وهما: طريقة الحنفية، وطريقة الجمهور أو المتكلمين مما سنعرضه في هذا الفصل، وأكثرها اختلافات لفظية أو اصطلاحية، واقتصر أثر الخلاف تقريبًا على نتيجة مهمة، أو قاعدة تسمى: مفهوم المخالفة، لنخصها بشيء من التفصيل، وذلك في ثلاثة مباحث، وبعد بيان معنى دلالة اللفظ على المعنى.
دلالة اللفظ على المعنى:
الدلالة لغة: الإرشاد، والدلالة: ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه، وجمعها: دلائل، ودلالات، والدلالة: معنى عارض للشيء بالقياس إلى غيره (2).
والدلالة اصطلاحًا: كون اللفظ يلزم من فهمه فهم شيء آخر، وهي إما لفظية أو غير لفظية.
والدلالة غير اللفظية: قد تكون بالوضع اللغوي، كدلالة الذراع على المقدار المعين، وقد تكون عقلية، كدلالة وجود المسبب على وجود السبب، كوجود القتيل دليل على القاتل، وقد تكون شرعية كدلالة غروب الشمس على وجوب الصلاة، وبحث الدلالات لا يتعرض للدلالة غير اللفظية، وإنما ينحصر في الدلالة اللفظية.
والدلالة اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي:
1 -
الدلالة العقلية، كدلالة المقدمتين الصغرى والكبرى على النتيجة بالعقل، مثل: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، فالعقل يستدل أن كل إنسان جسم، ومثل دلالة اللفظ على وجود المتكلم وعلى حياته، ودلالة الأثر على المؤثر، ومنه دلالة العالَم على موجده، وهو اللَّه سبحانه وتعالى.
(1) علم أصول الفقه ص 140، تفسير النصوص (1/ 463)، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 127.
(2)
المعجم الوسيط (1/ 294) مادة: دلل، والدلالة والدلالات بفتح الدال وكسرها.
2 -
الدلالة الطبيعية، كدلالة اللفظ الخارج عند السعال على وجع الصدر، ودلالة لفظ: آخ، على وجود الألم، ودلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجل، ودلالة الأعراض الخاصة بكل مرض عليه مما يعرفه الطبيب والخبير.
3 -
الدلالة الوضعية للفظ، وهي التي يقصدها العلماء، أي: وضع اللفظ للمعنى في اللغة أو في الاصطلاح، كدلالة السبب على المسبب، كالدلوك على وجوب الصلاة، وكدلالة المشروط على وجود الشرط، كالصلاة على الطهارة.
وتنقسم دلالة اللفظ الوضعية على المعنى إلى ثلاثة أنواع، وهي:
1 -
دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الذي وضع له، كدلالة لفظ: الإنسان على الحيوان الناطق، وسُمّيت مطابقة لأن اللفظ طابق معناه، وكدلالة لفظ البيع على الإيجاب والقبول.
2 -
دلالة التضمن: وهي دلالة اللفظ على جزء المعنى الذي وُضع له، كدلالة لفظ: الإنسان على الحيوان فقط، أو على الناطق فقط، وسميت تضمنًا لتضمنها إياه، وكدلالة لفظ البيع على الإيجاب فقط، أو القبول فقط، وكما يقال: سقط البيت، ويراد سقفه، وانكسر خالد، ويراد رجله.
3 -
دلالة الالتزام: وهي دلالة اللفظ على معنى لازم له في الذهن، كدلالة لفظ: الأسد على الشجاعة، فالشجاعة معنى لازم لا ينفك عن لفظ الأسد عند سماعه، فينتقل الذهن إليه، ومثل دلالة لفظ السُّكّر على الحلاوة، ولفظ الشمس على الضوء، ولفظ البيع على انتقال ملكية المبيع إلى المشتري، وملك الثمن إلى البائع، ودلالة الالتزام دلالة عقلية، وأما دلالة المطابقة والتضمن فلفظيتان، وقيل: الثلاث لفظية (1).
(1) نهاية السول (1/ 225)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 359)، أصول الأحكام ص 251، تفسير النصوص (1/ 591) هامش، حاشية الباجوري على متن السلم في فن المنطق ص 39، روضة الناظر ص 8، شرح الكوكب المنير (1/ 125) وما بعدها.