الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القطع، وكلما حصلت الجنابة وجب الغسل، لأن الشروط اللغوية تعتبر بمثابة السبب كما مرَّ في مبحث الشرط، وكذا الأوصاف، والحكم يتكرر بتكرر سببه أو تحقق وصفه.
فإن دليل الدليل الخارجي أن الوصف ليس له تأثير فلا يرتبط الحكم به، كوصف السائمة في الغنم لا يعتبر وصفًا مؤثِّرًا عند المالكية، وتجب الزكاة على الغنم السائمة والمعلوفة، بينما اعتبر المالكية الوصف في الربيبة (وهي بنت الزوجة){اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} صفًّا مؤثرًا، فلا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في رعاية زوج أمها.
وإذا لم يرد دليل على أن الوصف أو الشرط للتكرار فلا يتكرر الأمر المقيد بهما، كما لا يتكرر الأمر المطلق، كما سبق، وهذا رأي الجمهور، وفيه آراء أخرى (1).
الأمر بعد الحظر:
قد يحظر الشرع أمرًا ويحرمه، ثم يأمر به، كتحريم الصيد أثناء الإحرام للحج أو للعمرة، قال تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]، وقوله تعالى؛ {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ثم أمر اللَّه بالاصطياد بعد التحلل، قال تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، وحرم اللَّه البيع عند النداء لصلاة الجمعة، فقال تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، ثم أمر بالانتشار وابتغاء الرزق، ومنه البيع بعد الصلاة، فقال تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:"كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروا"(2).
وقد اختلف الأصوليون في دلالة هذا الأمر بعد الحظر على عدة أقوال،
(1) كشف الأسرار (1/ 122)، شرح تنقيح الفصول ص 131، أصول السرخسي (1/ 21)، مختصر البعلي ص 103، اللمع ص 10، شرح الكوكب المنير (3/ 68)، المدخل إلى مذهب أحمد ص 106، البحر المحيط (2/ 388).
(2)
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومالك وأحمد والحاكم.
أهمها ثلاثة آراء، وهي:
1 -
إن الأمر بعد الحظر للإباحة، بدليل أن معظم الأوامر التي وردت بعض الحظر ثبت لها حكم الإباحة كالأمثلة السابقة، وهو رأي الشافعي والحنابلة وبعض المالكية.
2 -
إن الأمر بعد الحظر للوجوب؛ لأن الأصل في الأمر أنه للوجوب سواء ورد بعد حظر أم لا، لقوله تعالى:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، فالقتال واجب باتفاق، وهذا قول الحنفية والشافعية والمالكية، ورد أصحاب القول الأول أن الوجوب هنا لدليل خارجي.
3 -
إن الأمر بعد الحظر يرجع إلى الحكم الذي كان قبل الحظر من وجوب أو غيره، والأمر هنا إنما هو لمجرد رفع الحظر الذي سبق، بدليل أن المتتبع للأوامر بعد الحظر يجدها أنها عادت إلى أصل الحكم قبل ورود الحظر، كالبيع، والصيد، والادخار، والقتال؛ لأن الحظر إنما ورد لمصلحة اقتضت ذلك، وهو رأي الكمال بن الهمام.
وهذه المسألة نظرية لا يترتب عليها حكم عملي، وإن الراجح هو اعتبار الأدلة الخارجية التي تحدد الحكم (1).
(1) المستصفى (1/ 435)، كشف الأسرار (1/ 120، 121)، تيسير التحرير (1/ 345)، فواتح الرحموت (1/ 379)، نهاية السول (2/ 40)، الإحكام للآمدي (2/ 178)، العضد على ابن الحاجب (2/ 91)، البحر المحيط (2/ 378)، المسودة ص 16، شرح تنقيح الفصول ص 139، مختصر البعلي ص 100، شرح الكوكب المنير (3/ 58) وما بعدها، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (1/ 222).