الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ، [الزمر: 36]، وقال المالكية: إنها للتوكيد في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، أي: امسحوا رؤوسكم كاملة، ومثالها زائدة، قوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، [البقرة: 195].
13 - الاستعانة:
أي: طلب المعونة بشيء على شيء، وهي الداخلة على آلة الفعل ونحوها، نحو: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين، وضربت بالسيف، ومنه قوله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} ، [البقرة: 45].
ونظرًا لكونها للاستعانة فإنها تدخل على الوسائل التي يستعان بها على المقاصد، كالأثمان في البيوع، مثل: اشتريت الثوب بعشرة دراهم، فالعشرة ثمن يصح الاستبدال به بدلالة الباء، ولأن الثمن غير مقصود لذاته في البيع، بل هو تبع للمقصود وهو المبيع، فكان الثمن بمنزلة الآلة للشيء.
وقال الحنفية: إن الباء إذا دخلت في آلة المسح فتعني استيعاب الممسوح، مثل: مسحت الحائط بيدي، أو مسحت بيدي الحائط، فيستوعب الحائط بالمسح، وإذا دخلت الباء على محل المسح اقتضت استيعاب الآلة، كقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ، [المائدة: 6]، اي: امسحوا أيديكم برؤوسكم، أي: ألصقوها برؤوسكم، وهذا لا يقتضي استيعاب الرأس، بل يقتضي وضع آلة المسح وهي اليد على الرأس وإلصاقها، فيكون المفروض في الوضوء هو مسح بعض الرأس بمقدار اليد التي تساوي ربع لرأس (1).
14 - التبعيض:
أي: تدل على البعض بمعنى "من" نحو قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} ،
(1) قال الحنفية: إن استيعاب الوجه بالمسح في التيمم لم يثبت بآية {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} ، [النساء: 43]، وإنما ثبت بالسنة المشهورة في حديث عمار رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال له:"يكفيك ضربتان: ضربة للوجه، وضربة إلى الرسغين" وفي رواية: "إنما يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب، ثم تنفخ فيهما، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين" رواه الدارقطني، وقال الشافعية: إن الباء ليست للتبعيض في آية التيمم؛ لأن مسح الوجه بدل عن غسله في الوضوء، فيكون للبدل حكم المبدل مع التخفيف.
[الإنسان: 6]، أي: منها، وقال بذلك الشافعية في قوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، أي: بعض رؤوسكم، فيكفي مسح القليل.
وأنكر الحنفية دلالة الباء على التبعيض مطلقًا؛ لأنه لا أصل لذلك في اللغة، ويؤدي ذلك إلى التكرار والترادف مع كلمة "مِن" ويؤدي للاشتراك، وهو كون اللفظ الواحد دالًا على معنيين مختلفين، والترادف والاشتراك خلاف الأصل، فهي للإلصاق حصرًا، واحتجوا بقول ابن جني وابن بَرْهان:"من زعم أن الباء للتبعيض فقد أتى على أهل اللغة بما لا يعرفون".
وقال الشافعية: أن الباء إذا دخلت عمى فعل لازم، فإنها تكون للإلصاق، مثل قوله تعالى:{ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ، [البقرة: 17]، ونحو: مررت بخالد، وتفيد الشمول والعموم، وإن دخلت على فعل متعد، فتكون للتبعيض، كقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ، ولا تفيد الشمول والعموم.
وردَّ الشافعية على ابن جني وابن بَرْهان بما ورد في كلام العرب من أن الباء تدل على التبعيض، وذلك أمر مشتهر أثبته أئمة اللغة كالأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك، ومنه قول الشاعر:
شَربْنَ بماءَ البَحْر، ثم ترفَّعت
…
متى لُجَجٍ خَضْرٍ لهنَّ نئيجُ (1)
أي: من ماء البحر، وقول الشاعر:
فلثمتُ فاها آخِذًا بقُرُونها
…
شرْب النَّزيف ببَرْدِ ماءَ الحَشْرج (2)
أي: من برد ماء، وفيه أمثلة أخرى (3).
(1) هذا البيت لأبي ذؤيب الهذلي يصف سُحُبًا، والنئيج: المرّ السريع مع الصوت، ومتى لجج أي: من لجج، وهي لغة هذيل.
(2)
هذا البيت منسوب لجميل بثينة وعمر بن أبي ربيعة وعبيد بن أوس، ومعناه: قبلت شفة الحبيبة وقد كنت آخذًا بضفائرها، وكان لثمي كشرب النزيف (أي: الذاهب المنقطع ماء بئره، أو الظمآن الذي يبس لسانه من العطش) لبعض برد ماء الحشرج، والحشرج هو الحِسِي، وهو المكان المستوي السهل الذي به دقاق الحصى، ويستخرج منه الماء بطريق الاحتساء.
(3)
انظر معاني الباء في مغني اللبيب (1/ 106)، رصف المباني ص 142، البرهان في =