الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه عن الفتيا، وقال أبو حنيفة: لولا الفَرَقُ من اللَّه تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت، يكون لهم المهنأ وعليَّ الوزر" (1).
وقال ابن النجار رحمه الله: "وكان السلف يهابونها، ويشددون ويتدافعونها، وأنكر أحمد وغيره من تهجم في الجواب"(2).
آداب المفتي:
ينبغي للمفتي أن يتحلى بآداب كثيرة، بعضها يرجع إلى نفسه، وبعضها يرجع إلى معاملة المستفتي، وبعضها يرجع إلى إصدار الفتوى ذاتها، وأهم الآداب هي:
أولًا: آداب المفتي في نفسه:
1 -
أن يقصد المفتي بعمله وجه اللَّه تعالى، والتقرب إليه في بيان حكم اللَّه تعالى ودينه وشرعه، ولا يفتي طمعًا في منصب، أو مغنم، أو جاه، أو خوفًا من حاكم أو سلطان، ويخلص النية للَّه تعالى (3).
2 -
أن يتصف المفتي بالتقوى؛ لأنه أمين على دين اللَّه وشرعه، ومبلغ عن اللَّه تعالى؛ لأنه من ورثة الأنبياء، فيجب أن يتخلق بأخلاقهم، وأن يتجنب أسباب الفسق وخوارم المروءة.
3 -
أن يتصف المفتي بالعلم والحلم والوقار والسكينة؛ لأنه موقع عن رب العالمين، ويتمثل فيه الشرع القويم، ويتجنب الرياء والسمعة في عمله.
4 -
أن يكون المفتي ظاهر الورع، مشهورًا بالديانة الظاهرة، وحسن
(1) المجموع للنووي (1/ 67 - 68)، مع تصرف بسيط.
(2)
شرح الكوكب المنير (4/ 588)، وانظر؛ صفة الفتوى ص 7، صحيح البخاري بحاشية السندي (4/ 175)، سنن الدارمي (1/ 52) وما بعدها، تيسير التحرير (4/ 242).
(3)
قال الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى: "لا ينبغي أن يفتي حتى يكون له نية، فإن لم تكن له نية لم يكن له نور، ولا على كلامه نور، وحلم ووقار وسكينة، قويًّا على ما هو فيه، وعلى معرفته، والكفاية، وإلا مضغه الناس، ومعرفة بالناس" شرح الكوكب المنيز (4/ 550)، أعلام الموقعين (4/ 254) وما بعدها.
السريرة الباطنة، قال النووي رحمه اللَّه تعالى:"وكان مالك رحمه الله يعمل بما لا يلزمه الناس، ويقول: لا يكون عالمًا حتى يعمل بخاصة نفسه بما لا يُلزمه الناس، مما لو تركه لم يأثم، وكان يحكي نحوه عن شيخه ربيعة"(1).
5 -
أن يكون المفتي فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظًا لما يعرض عليه، بعيدًا عن الغفلة خشية الوقوع في مكائد المستفتين وشباكهم.
6 -
ينبغي ألا يفتي حال تغير خُلُقه، وانشغال قلبه بما يمنعه من التأمل، كالغضب والجوع والعطش والحزن والفرح الغالب، والنعاس، والملل، والضجر من حر أو برد، والمرض، ومدافعة الحدث، وكل ما يشغل القلب، ويمنع الاعتدال (2).
7 -
أن يتصف المفتي بالرفق في تفهم سؤال المستفتي، وأن يكون واسع الصدر معه، وأن يصبر عليه، فلا يضيق ذرعًا بجهل السائل، ولا بإلحاحه، أو تطويله، أو تطويل السؤال وتكراره (3).
8 -
أن يكون المفتي مستقل الإرادة في الفتوى، فلا يخشى بها الناس، فيغير الحكم طمعًا في ترغيب، أو خوفًا من ترهيب، وأن يتجنب الفتاوى التي تملى عليه صراحة أو دلالة، فلا يكون مفتيًا للسلطة الحاكمة بحسب أهوائها، أو ما يتناسب مع توجهاتها واتجاهاتها، وخاصة في هذا الزمان، فإن أكثر الحكام لا يطبقون شرع اللَّه، ويتحايلون عليه، ويحاولون أن يلبسوا أعمالهم عباءة الشرع والدين باستصدار الفتاوى، والحصول على موافقة المفتي وأعوانه.
قال الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى: "إذا هاب الرجل شيئًا، لا ينبغي أن يُحمل على أن يقوله"(4).
(1) المجموع (1/ 69).
(2)
شرح الكوكب المنير (4/ 547).
(3)
روضة الطالبين (11/ 109).
(4)
صفة الفتوى ص 31، شرح الكوكب المنير (4/ 588).