الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثال العمل بالأصل ما ورد في الآثار في حكم سؤر الحمار، فعن ابن عمر أنه نجس، وعن ابن عباس أنه طاهر، ولا مرجح لقول أحدهما، فترك الحنفية العمل بالأثرين، وعملوا بمقتضى الأصل في الماء، وهو أنه طاهر.
الحالة الثانية: التعارض بين دليلين غير نصين:
وذلك كما لو ورد التعارض بين قياسين، فيجب على المجتهد أن يرجح بينهما بأحد مرجحات القياس التي ستأتي، كالترجيح بالعلة المنصوصة على العلة المستنبطة بطريق المناسبة مثلًا، فإن لم يكن هناك مرجح، لزم المجتهد أن يتحرى بما يشهد له قلبه، وتطمئن به نفسه (1)، وقال الشافعي وأحمد: يتخير (2).
ثانيًا: طريقة الجمهور في دفع التعارض:
إذا تعارض دليلان، فذهب الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية إلى التعريف بين التعارض في النصوص والتعارض في الأقيسة.
الحالة الأولى: التعارض بين النصوص عند الجمهور:
إذا تعارض نصان -بحسب الظاهر- عند المجتهد، فيجب عليه البحث والاجتهاد لدفع التعارض، وللوقوف على حقيقة المراد منهما تنزيهًا للشارع الحكيم عن التناقض في تشريعه، وذلك وفق المنهج التالي:
1 - الجمع بين النصين:
إذا تعارض نصان بحسب الظاهر، فيعمل المجتهد للجمع، أي: للتوفيق بين النصين بوجه مقبول شرعًا، قبل الترجيح لأحدهما؛ لأنَّ العمل بالدليلين
(1) كشف الأسرار (4/ 76)، تيسير التحرير (3/ 136)، فواتح الرحموت على مسلم الثبوت (2/ 189)، التلويح على التوضيح (2/ 40، 44)، إرشاد الفحول ص 275، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (2/ 1176)، علم أصول الفقه ص 230؛ منهج التوفيق ص 119.
(2)
فصل ذلك الزركشي فقال: "إن كان بالنسبة إلى الواجبات فالتخيير، وإن كان في الإباحة كالتحريم فالتساقط والرجوع إلى البراءة الأصلية" وفي ذلك آراء كثيرة سنذكرها في طريقة الجمهور، انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 612)، إرشاد الفحول ص 275، البحر المحيط (6/ 115).
ولو من بعض الوجوه خير من العمل بأحدهما وإهمال الآخر؛ لأن الأصل في الدليلين إعمالهما، وعند الجمع بين الدليلين يزول التعارض الظاهري، وكان هذا بيانًا للمراد من النصين؛ لأنه لا تعارض في الحقيقة بينهما، حتى لو كان أحد الدليلين من السنة، والآخر من الكتاب على الأصح.
ويمكن الجمع بين الدليلين والعمل بهما معًا بطرق كثيرة، كأن يكون أحدهما عامًّا والآخر خاصًّا، أو أحدهما مطلقًا والآخر مقيدًا، أو أحدهما حقيقة والآخر مجازًا، وسبق بيان ذلك في الدلالات، وكما سبق كثير من الأمثلة في طريقة الحنفية في الجمع بين النصوص.
ويمكن الجمع بين الدليلين والعمل بهما معًا بالتبعيض، وذلك في حالات ثلاث:
أ- أن يكون حكم كل من الدليلين المتعارضين قابلًا للتبعيض، فالعمل بهما متعذر، فيعمل بهما من بعض الوجوه، فيكون قد عمل بكل واحد في بعض الحكم، كوضع اليد من اثنين على دار، فتقسم بينهما.
ب- أن يكون حكم كل واحد من الدليلين متعددًا، بأن يحتمل أحكامًا كثيرة، فيعمل بالدليلين، بأن يثبت بكل واحد منهما بعض الأحكام، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاةَ لجارِ المسْجد إلا في المسجد"(1)، فإنه معارض لتقريره صلى الله عليه وسلم لمنْ صلى في غير المسجد مع كونه جارًا (2)، فهذان الحديثان يشتملان على أحكام متعددة، فالحديث الأول يحتمل نفي الصحة ونفي الكمال ونفي الفضيلة، والحديث الثاني يحتمل ذلك أيضًا، فيحمل الأول على نفي الكمال، والثاني يحمل على الصحة.
جـ- أن يكون حكم كل من الدليلين عامًّا، أي: متعلقًا بأفراد كثيرة،
(1) هذا حديث ضعيف، وقيل: صح من قول علي رضي الله عنه (أسنى المطالب ص 257).
(2)
قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجلين لم يصليا معه: "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد جماعة، فصليا معهم، فإنها لكم نافلة" وفي ذلك أحاديث أخرى، روأها أبو داود (1/ 136) والنسائي (2/ 85، 86، 87) وأحمد (4/ 161).