الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه طلاقٌ، وإن مضت الأربعةُ الأشهرِ، حتَّى يُوقَفَ: فإمَّا أن يُطَلِّقَ، وإمَّا أن يَفيءَ»
(1)
.
«فَصْلٌ»
في أحكامِ الظِّهار
الظِّهارُ في اللُّغةِ: مأخوذٌ من الظَّهْرِ؛ لأنَّ صورتَه الأصليَّةَ أن يقولَ الرَّجلُ لزوجتِه: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي، وخصُّوا الظَّهرَ دونَ غيرِه؛ لأنَّه موضعُ الرُّكوبِ، والمرأةُ مركوبُ الزَّوجِ، وكانَ طلاقًا في الجاهليَّةِ، فَحَكَمَ اللهُ تعالى فيه بالكفَّارةِ، وحرَّمَ الجماعَ على المتظاهِرِ حتَّى يُكَفِّرَ.
وفي الاصطلاحِ: تشبيهُ الزَّوجةِ أو جزءٍ منها بمحرَّمةٍ عليه تحريمًا مؤبَّدًا.
والظِّهارُ مُحرَّمٌ بالإجماعِ، والأصلُ في تحريِمه قولُه تعالى:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2]؛ أي: تنكرُه الحقيقةُ، وينكرُه الشَّرعُ، وهو كذبٌ وبهتانٌ؛ لأنَّ الزَّوجةَ محلَّلَةٌ والأمَّ محرَّمةٌ، وتشبيهُ المحلَّلةِ بالمحرَّمةِ كذبٌ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالظِّهَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ صَارَ عَائِدًا، وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ» ، إذا قال الرَّجلُ لزوجتِه: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي، ولم
(1)
رواه مالك في «الموطَّأ» (1600).
يُتْبِعْهُ بالطَّلاقِ صارَ عائدًا؛ لأنَّ تشبيهَها بالأمِّ يقتضي أن لا يُمسكَها زوجةً، فإن أَمْسَكَها بعدَ الظِّهارِ فقدْ عادَ فيما قالَ، ولَزِمَتْه الكفَّارةُ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فِإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ» ؛ لقولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3، 4].
قال الشَّافعيُّ رحمه الله: «إمساكُ المظاهِرِ عن أن يأكُلَ ستِّينَ يومًا كإطعامِ ستِّينَ مسكينًا
…
فذَهبْنا إلى أنَّ إطعامَ المسكينِ مُدُّ طعامٍ، ومكانَ إطعامِ المسكينِ صومُ يومٍ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يَحِلُّ لِلْمُظَاهِرِ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ» ؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَجلًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقد ظاهَرَ من امرأتِه، فَوَقَعَ عليها، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إني قد ظاهرتُ من زوجتي، فوقعتُ عليها قبلَ أن أكفِّرَ، فقالَ:«وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟!» ، قالَ: رأيتُ خَلخالَها في ضوءِ القمرِ، قالَ:«فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ»
(2)
.
(1)
«الأُم» (2/ 204)، ويكون المُدُّ من غالِب قوتِ أهلِ البلدِ، وهو يساوي بالوزنِ (600) جرامٍ تقريبًا.
(2)
رواه أبو داود (2223)، والترمذي (1199)، والنسائي (3458)، وابن ماجه (2065)، وقال الترمذي:«هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب» .