الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[النور: 8 - 9]، فتقولُ المرأةُ: أَشْهَدُ باللهِ إنَّ فلانًا هذا؛ أيْ: زَوْجَها لمن الكاذِبينَ عليَّ فيما رماني به من الزِّنا؛ أربعَ مرَّاتٍ، وتقولُ في المرَّةِ الخامسةِ -بعدَ أن يَعِظَها الحاكمُ-: وعليَّ غضبُ اللهِ إن كانَ من الصَّادقينَ فيما رماني به.
«فَصْلٌ»
في أحكامِ العِدَّة
العِدَّةُ في اللُّغةِ: مأخوذةٌ من العَدِّ، سُمِّيَتْ بذلك لاشتمالِها على العددِ من الأقراءِ أو الأشهرِ غالبًا.
وفي الاصطلاحِ: مُدَّةٌ تَتَرَبَّصُ فيها المرأةُ لمعرفةِ براءةِ رَحِمِها، أو للتَّعبُّدِ، أو لتفجُّعِها على زوجٍ.
والأصلُ فيها قبْلَ الإجماعِ الآياتُ والأحاديثُ الصَّحيحةُ الآتيةُ -إن شاءَ اللهُ تَعالى- وشُرِعَتْ صيانةً للأنسابِ، وتحصينًا لها من الاختلاطِ ورعايةً لحقِّ الزَّوجينِ والولدِ، والغالبُ فيها التَّعَبُّدُ، بدليلِ أنَّها لا تنقضي بقرءٍ واحدٍ مع حصولِ براءةِ الرَّحِمِ به.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْمُعْتَدَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُتَوَفًّى عَنْهَا وَغَيْرُ مُتَوَفًّى عَنْهَا» ؛ المعتدة نوعان: متوفًّى عنها زوجُها، وغيرُ متوفًّى عنها، والمراد بغير المتوفَّى عنها: المطلَّقةُ، أو المفرَّقُ بيْنَها وبيْنَ زوجِها بلِعانٍ، أو خُلْعٍ بعدَ الوطءِ؛ لأنَّ المطلَّقةَ قبْلَ الدُّخولِ بها لا عِدَّةَ عليها.
قال أبو شجاع رحمه الله: «فَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا
فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ»، المتوفَّى عنها زوجُها إن كانت حاملًا فعِدَّتُها بوضعِ الحملِ؛ لقولِه تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
ولحديثِ سُبَيْعَةَ بنتِ الحارثِ الأسلميَّةِ رضي الله عنها، كانت تحتَ سعدِ بنِ خَولةَ رضي الله عنه، وهو من بني عامرِ بنِ لؤيٍّ، وكانَ ممَّنْ شَهِدَ بدرًا، فتُوُفِّيَ عنها في حَجَّةِ الوداعِ وهي حاملٌ، فلم تَنْشَبْ أن وَضَعَتْ حَمْلَها بعدَ وفاتِه، فلمَّا تَعَلَّتْ من نِفاسِها، تَجَمَّلَتْ للخُطَّابِ، فدَخَلَ عليها أبو السَّنابلِ بنُ بعككَ؛ رَجُلٌ من بني عبدِ الدَّارِ، فقال لها: ما لي أراكِ تَجَمَّلْتِ للخُطَّابِ، تَرْجِينَ النِّكاحَ؟! فإنَّكِ واللهِ ما أنتِ بناكحٍ حتَّى تمرَّ عليكِ أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، قالت سُبَيْعَةُ:«فلمَّا قال لي ذلك جمعتُ عليَّ ثيابي حينَ أمسيتُ، وأتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فسألتُه عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللتُ حينَ وضعتُ حملي، وأمرَني بالتَّزوُّجِ إن بدا لي»
(1)
.
فإن كانت المعتدَّةُ عن وفاةٍ حائلًا غيرَ حاملٍ فعِدَّتُها أربعةُ أشهرٍ وعَشْرٌ؛ لقولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
وهذه الأحكامُ خاصَّةٌ بالحُرَّةِ، وستأتي أحكامُ الأمَةِ قريبًا إن شاءَ اللهُ تَعالى.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَغَيْرُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا
(1)
رواه البخاري (3770)، ومسلم (1484)، ومعنى:«تَنْشَب» ؛ أي: تَلْبَث. و «تَعَلَّتْ» ؛ أيْ: طَهُرَت.
فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ، فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَهِيَ الْأَطْهَارُ؛ إِلَّا إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ»، المعتدَّةُ غيرُ المُتَوَفَّى عنها زوجُها إن كانت حاملًا فعِدَّتُها بوضعِ الحمْلِ؛ لقولِه تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، فإن كانت المعتدَّةُ حائلًا، وهي من ذواتِ الحيضِ فعِدَّتُها ثلاثةُ قروءٍ؛ لقولِه تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، والقروءُ؛ جمعُ قَرْءٍ -بفتحِ القافِ وضَمِّها- وهو عندَ الشَّافعيِّ رحمه الله الطُّهرُ، فتعتدُّ بثلاثةِ أطهارٍ، وذلك لقولِه تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]؛ أيْ: لوقتِ عِدَّتِهِنَّ، وبَيَّنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ وقتَ العِدَّةِ زمانُ الطُّهرِ، كما سَبَقَ في حديثِ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما أنَّه طَلَّقَ امرأتَه وهي حائضٌ وذُكِرَ ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»
(1)
.
فَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنَّ زمانَ الطَّلاقِ الطُّهرُ؛ لتَكونَ المرأةُ مُسْتَقْبِلَةً العِدَّةَ.
فإذا كانت المعتدَّةُ صغيرةً أو آيسةً من الحيضِ فعِدَّتُها ثلاثةُ أشهرٍ؛ لقولِه تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4].
(1)
رواه البخاري (4953)، ومسلم (1471).
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا» ؛ لقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]، وذلك لعدمِ اشتغالِ رحِمِها بما يُوجِبُ استبراءَه.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ بِالْحَمْلِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَبِالْأَقْرَاءِ أَنْ تَعْتَدَّ بِقُرْأَيْنِ، وَبِالشُّهُورِ عَنِ الْوَفَاةِ أَنْ تَعْتَدَّ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ، وَعَنِ الطَّلَاقِ أَنْ تَعْتَدَّ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، فَإِنِ اعْتَدَّتْ بِشَهْرَيْنِ كَانَ أَوْلَى» ، عِدَّةُ الأمَةِ إذا كانت حاملًا كعِدَّةِ الحُرَّةِ، وهي وضعُ الحملِ؛ لقولِه تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
فإن لم تكنْ حاملًا وكانت من ذواتِ الحيضِ فتعتدُّ بقُرأينِ؛ لأنَّها على النِّصفِ من الحُرَّةِ في كثيرٍ من الأحكامِ، وإنَّما كَمَّلَت القُرءَ الثَّانيَ؛ لتعذُّرِ تبعيضِه؛ إذْ لا يَظْهَرُ نصفُه إلَّا بظهورِ كلِّه.
فإن كانت عِدَّةُ الأمَةِ عن وفاةِ زوجٍ تَعْتَدُّ بشهرينِ وخمسةِ أيَّامٍ بلياليها.
فإن كانتِ الأمَةُ صغيرةً أو آيسةً فعِدَّتُها عن الطَّلاقِ بشهرٍ ونصفٍ، فإن اعتدَّتْ بشهرينِ كانَ أَوْلى؛ لقولِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه:«تَعْتَدُّ الأمَةُ حيضتينِ، فإن لم تَحِضْ فشهرينِ أو شهرًا ونِصْفًا»
(1)
.
(1)
رواه الشَّافعيُّ في «الأم» (5/ 232)، وروى أيضًا رحمه الله في المصدرِ السَّابقِ عن عمرَ رضي الله عنه قال:«لو استطعتُ لجعلتُها حيضةً ونصفًا» ، فقال رجلٌ: فاجعلْها شهرًا ونصفًا، فسكتَ عمرُ رضي الله عنه.