الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
«مُحَافِظًا عَلَى مُرُوءَةِ مِثْلِهِ» ؛ أي: متخلِّقًا بأخلاقِ أمثالِه من أبناءِ عصرِه؛ ممن يراعون آدابَ الشرعِ في الزَّمانِ والمكانِ، ويُرْجَعُ في هذا غالبًا إلى العرفِ.
«فَصْلٌ»
في حقوقِ الله تعالى وحقوقِ الآدمين
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْحُقُوقُ ضَرْبَانِ: حُقُوقُ اللهِ تَعَالَى، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ؛ فَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ:
1 -
ضَرْبٌ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا شَاهِدَانِ ذَكَرَانِ، وَهُوَ مَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ»، كالنكاحِ والطلاقِ والوصيةِ ونحوِ ذلك؛ لقولِه تعالى في الوصيةِ:{يَا أيهَا الذين آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنكُمْ إذا حَضَرَ أحَدَكُمْ المَوْتُ حِينَ الوَصِيةِ اثنَانِ ذَوا عَدْل منْكُمَ} [المائدة: 106].
وقولِه تعالى في الطلاقِ: {فأمسِكُوهُن بمعرُوفٍ أوْ فَارِقُوهُن بمَعْروفٍ وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدل مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].
وفي حديثِ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»
(1)
.
فَفِي النصوصِ الثلاثةِ وردَ الشهودُ بلفظِ التذكيرِ، وقِيس ما لم يُذكرْ من الحقوقِ على ما ذُكرَ.
2 -
«وَضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ شَاهِدٌ
(1)
رواه ابن حبَّان (1364).
وَيَمِينُ الْمُدَّعِي، وَهُوَ مَا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْمَالَ»، كالبيعِ والإجارةِ والرَّهنِ ونحوِ ذلك، ودليلُه قولُه تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَين مِنْ رِجَالِكُمْ فَإنْ لَمْ يكُونارَجُلَيْن فَرَجُلٌ وَامْرأتَان مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدَاءِ أنْ تَضِل إحْدَاهمَا فَتُذكرَ إحدَاهمَا الأخْرَى} [البقرة: 282]، و {تضل}؛ أي: تنسَى.
وقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: «قَضَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَمِينٍ وَشَاهدٍ»
(1)
.
قال عمرٌو -أي: ابن دينار- رحمه الله: «إنَّما ذاكَ في الأموالِ»
(2)
.
3 -
«وَضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَهُوَ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ» ، كبكارةٍ، وولادةٍ، وحيضٍ، ورَضاعٍ، وعيبِ امرأةٍ تحتَ ثوبِها، واستهلالِ ولدٍ. يقولُ الزهريُّ رحمه الله:«مضتِ السُّنةُ أنْ تجوزَ شهادةُ النساءِ فيما لا يطَّلعُ عليه غيرُهن من ولاداتِ النساءِ وعيوبِهن»
(3)
.
وقِيس على ما ذُكر غيرُه مما يشاركُه في معناه، واشتُرِطَ العددُ، لأنَّ الشارعَ جعل شهادةَ المرأتينِ بشهادةِ رجلٍ واحدٍ، وإذا قُبِلَت شهادةُ النساءِ منفرداتٍ في شؤونِهن، فقبولهُا مع اشتراكِ رجلٍ وامرأتينِ أولى؛ لأنَّ الأصلَ في الشهادةِ الرجالُ، وكذلك إذا انفردَ الرجالُ بالشهادةِ.
(1)
رواه مسلم (1712).
(2)
رواه أحمد (2970).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (20708).
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَأَمَّا حُقُوقُ اللهِ تَعَالَى فَلَا تُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
1 -
ضَرْبٌ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَهُوَ الزِّنَا»؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثُمَّانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4].
2 -
«وَضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ اثْنَانِ، وَهُوَ مَا سُوَى الزِّنَا مِنَ الْحُدُودِ» ، كالرِّدةِ، وقتلِ النَّفسِ، والسرقةِ، وشربِ الخمرِ، ونحوِ ذلك.
3 -
«وَضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ هِلَالُ رَمَضَانَ» ؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَه وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إِلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ:
1 -
الْمَوْتُ»، وذلك لأنَّ الموتَ يثبتُ بالتسامعِ، ولأنَّ أسبابَه كثيرةٌ، منها ما يخفَى ومنها ما يظهرُ، وقد يعسرُ الاطلاعُ عليها، فجاز أنْ يعتمدَ فيه على الاستفاضةِ.
2 -
«وَالنَّسَبُ» ، وإنْ لم يعرفْ عينَ المنسوبِ إليه من أبٍ أو جَدٍّ، فيشهدُ أنَّ هذا ابنُ فلانٍ، أو أنَّ هذه بنتُ فلانٍ؛ لأنَّه لا مدخلَ للرؤيةِ فيه، فإنَّ غايةَ الممكنِ أنْ يشاهدَ الولادةَ على
(1)
رواه أبو داود (2342)، وابن حبَّان (1436).
الفراشِ، وذلك لا يفيدُ القطعَ، بل الظاهرَ فقط، والحاجةُ داعيةٌ إلى إثباتِ الإنسانِ إلى الأجدادِ المتوفَّينَ فسُومِح فيه.
3 -
«وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ» ، كأنْ يدَّعِي شخصٌ ملكَ شيءٍ ولا منازعَ له فيه، فيشهدُ الأعمى أنَّ هذا الشيءَ مملوكٌ دون أن ينسبَه لمالكٍ معينٍ.
4 -
«وَالتَّرْجَمَةُ» ، إذا اتخذَ القاضي مترجمًا أعمَى فإنَّه تُقبلُ شهادتُه فيها؛ لأنَّ الترجمةَ تعتمِدُ على اللفظِ لا على الرؤيةِ.
5 -
«وَمَا شَهِدَ بِهِ قَبْلَ الْعَمَى، وَعَلَى الْمَضْبُوطِ» ، لو تحملَ الأعمى شهادةً فيما يحتاجُ للبصرِ قبلَ أنْ يطرأ عليه العمَى، شهِدَ بما تحمَّله إن كان المشهودُ له وعليه معروفَيِ الاسمِ والنسبِ؛ لإمكانِ الشهادةِ عليهما، فيقولُ مثلًا: أشهدُ أنَّ فلانَ ابنَ فلانٍ أقرِّ لفلانِ ابنِ فلانٍ بكذا، وكذلك على المضبوطِ عندَه، كأنْ يُقرَّ شخصٌ في أذنِه بنحوِ طلاقٍ أو عتقٍ أو مالٍ لشخصٍ معروفِ الاسمِ والنسبِ، فيتعلقُ الأعمى به ويضبطُه حتى يشهدَ عليه بما سمِعَ منه عندَ القاضي.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ جَارٍّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا دَافِعٍ عَنْهَا ضَرَرًا» ، لا تُقبَلُ شهادةُ شخصٍ جارٍّ لنفسِه نفعًا، كأنْ يشهدَ الوارثُ أنَّ مُورِّثه مات قبلَ أنْ يندملَ جرحُه الذي جرحَه شخصٌ ما، وغرضُه من هذه الشهادةِ أخذُ الديةِ، فلا تُقبَلُ شهادتُه، وكذلك لا تُقبَلُ شهادةُ شخصٍ دافعٍ عن نفسه ضررًا؛ كأنْ تشهدَ العاقلةُ في قتلِ الخطإِ أنَّ الشهودَ الذين شهِدوا على القتلِ كانوا
فسقةً حتى لا يتحمَّلوا الديةَ، فحينئذٍ لا تُقبَلُ شهادتُهم، والسببُ في رد هذه الشهادةِ التهمةُ.
والله تعالى أعلم.