الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه الحدُّ
(1)
.
«فَصْلٌ»
في حَدِّ شُرْبِ الخَمْر
الخمرُ في اللُّغةِ: هو ما خامَرَ العقْلَ؛ أيْ: غطَّاه.
وفي الاصطلاحِ: كلُّ ما أَسْكَرَ قليلُه أو كثيرُه.
وشُرْبُ الخمرِ مِن كبائرِ الذُّنوبِ، قال اللهُ تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
وقال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: إنَّ رَجلًا قَدِمَ من جِيشانَ -وجِيشانُ من اليَمنِ- فسألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن شرابٍ يَشربونَه بأرضِهِم من الذُّرةِ، يقالُ له: المِزْرُ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوَمُسْكِرٌ هُوَ؟» ، قالَ: نَعَمْ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عز وجل عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما طينةُ الخَبالِ؟ قالَ:«عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» ، أو «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ»
(2)
.
وقال أبو مالكٍ الأشعريُّ رضي الله عنه سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا»
(3)
.
(1)
ينظر: «فصل أحكام اللِّعان» .
(2)
رواه مسلم (2002).
(3)
رواه أحمد (22951)، وأبو داود (3688)، وابن ماجه (4020)، والحاكم (7237)، وصحَّحه، وأقرَّه الذَّهبي.
وقال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ شَرَابًا مُسْكِرًا يُحَدُّ أَرْبَعِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ ثَمَانِينَ عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ» ، من شَرِبَ خمرًا أو شرابًا مُسْكِرًا؛ فإنَّه يُحَدُّ أربعينَ جَلدةً، ويَجوزُ أن يُجْلَدَ أربعينَ أخرى تعزيرًا؛ لحديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ برجلٍ قد شَرِبَ الخمرَ، فجَلَدَه بجريدتينِ نحوَ أربعينَ» ؛ قال أنسٌ رضي الله عنه: «وفَعَلَه أبو بكرٍ، فلمَّا كانَ عمرُ ودَنا النَّاسُ من الرِّيفِ والقرى، استشارَ النَّاسَ، قالَ: ما تَرَوْنَ في جَلدِ الخمرِ؟ فقال عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ: أخفُّ الحدودِ ثمانون، فجَلَدَ عمرُ ثمانين»
(2)
.
(3)
.
(1)
رواه أحمد (14744)، وأبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393)، وقال الترمذي:«هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ» .
(2)
رواه مسلم (1706).
(3)
رواه مالكٌ في «الموطَّأ» (2442)، والشَّافعيُّ في «المسند» (293)، والدَّارقطنيُّ في «السُّنن» (3321)، والحاكمُ في «المستدرك» (8131)، من طرقٍ، وصحَّحه الحاكم، وأقرَّه الذَّهبي.
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجِبُ عَلَيْهِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِالْبَيِّنَةِ، أَوِ الْإِقْرَارِ» ؛ أي: يَثْبُتُ الحدُّ على من شَرِبَ المسْكِرِ بالبيِّنةِ، بأن يَشْهَدَ عليه رَجُلانِ عدلانِ بذلك؛ للحديثِ السَّابقِ، وفيه: «فَشَهِدَ
(1)
رواه مسلم (1707)، وقولُه:«شَهِدْتُ عثمانَ بنَ عفَّانَ وأتى بالوليدِ» ؛ أي: حضرتُ عندَه بالمدينةِ وهو خليفةٌ، والوليدُ: هو الوليدُ بنُ عقبةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ، أتى به من الكوفةِ، وكانَ واليًا عليها، وصلَّى بالنَّاسِ الصُّبحَ ركعتينِ وهو سكران ثمَّ التفتَ إليهم فقالَ: أَزيدُكم؟ فقال أهلُ الصَّفِّ الأوَّلِ: ما زِلنا في زيادةٍ منذُ وَلِيتَنا؛ لا زادَكَ اللهُ من الخيرِ، وحَصَبَ النَّاسُ الوليدَ بحصباءِ المسجدِ، فشاعَ ذلك في الكوفةِ، وجرى من الأحوالِ ما اضْطَرَّ أميرَ المؤمنينَ عثمانَ رضي الله عنه إلى استحضارِه، وقولُ الحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما:«وَلِّ حارَّها من تولَّى قارَّها» ؛ الحارُّ: الشَّديدُ المكروهُ، والقارُّ: الباردُ الهنيءُ الطَّيِّبُ، وهذا مَثَلٌ مِن أمثالِ العربٍ؛ قال الأصمعيُّ رحمه الله: معناه ولِّ شِدَّتَها وأوساخَها من تولَّى هنئتَها ولذَّاتِها، والضميُر عائدٌ إلى الخلافةِ والولايةِ؛ أي: كما أنَّ عثمانَ وأقاربَه يتولَّوْنَ هنيءَ الخلافةِ ويختصُّونَ به؛ يتولَّوْنَ نَكَدَها وقاذوراتِها، ومعناه: لِيَتَوَلَّ هذا الجَلْدَ عثمانُ رضي الله عنه بنفْسِه أو بعضُ خاصَّةِ أقاربِه الأدْنَيْنَ. وقولُه: «وَجَدَ عليه» ؛ أي: غَضِبَ عليه.