المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الصيد والذبائح - إتحاف الأريب بشرح الغاية والتقريب

[أبو المعاطي الشبراوي]

فهرس الكتاب

- ‌تَرْجَمَةُ أبِي شُجَاعٍ الأصْبَهَانِيُّ رحمه الله

- ‌اسْمُه ونَسَبُه:

- ‌من مؤلَّفاتِه:

- ‌مُقَدِّمِةُ صَاحِبِ الْمَتْن

- ‌كتابُ الطَّهارة

- ‌«فَصْلٌ»في أنواع المِياهِ وأقسامِها

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ المَيتةِ وبيانِ ما يَطْهُرُ بالدِّباغ

- ‌«فَصْلٌ»في استعمالِ الأواني

- ‌«فَصْلٌ»في فروضِ الوُضوءِ وسُنَنِه

- ‌«فَصْلٌ»في الاستنجاء

- ‌«فَصْلٌ»في نواقِضِ الوُضوء

- ‌«فَصْلٌ»في موجِباتِ الغُسْل

- ‌«فَصْلٌ»في فرائِضِ الغُسْلِ وسُنَنِه

- ‌«فَصْلٌ»في الاغتسالاتِ المَسْنُونَة

- ‌«فَصْلٌ»في المَسْحِ على الخُفَّيْن

- ‌«فَصْلٌ»في التَّيمُّم

- ‌«فَصْلٌ»في بيانِ النَّجاساتِ وإزالتِهَا

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الحيضِ والنِّفاسِ والاستحاضة

- ‌«فَصْلٌ»في ما يَحْرُمُ على الجُنُبِ والمُحْدِثِ فِعْلُه

- ‌كِتابُ الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في مَواقيتِ الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في شروطِ وجوبِ الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في الصَّلواتِ المَسْنُونَات

- ‌«فَصْلٌ»في شروطِ الصَّلاةِ قبلَ الدُّخولِ فيها

- ‌«فَصْلٌ»في أركانِ الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في سُننِ الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في هيئاتِ الصَّلاةِ

- ‌«فَصْلٌ»في ما تُخَالِفُ المرأةُ فيه الرَّجُلَ في الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في مُبطِلاتِ الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في ما تَشْتَمِلُ عليه الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في سجودِ السَّهْو

- ‌«فَصْلٌ»في الأوقاتِ الَّتي تُكْرَهُ فيها الصَّلاة

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ الجماعة

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ المسافر

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ الجُمُعة

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ العِيدين

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ الكسوفِ

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ الاستسقاء

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ الخوف

- ‌«فَصْلٌ»في اللِّباسِ والزِّينة

- ‌«فَصْلٌ»في صلاةِ الجِنازةِ

- ‌كتابُ الزَّكاة

- ‌«فَصْلٌ»في نِصَابِ الإبِل

- ‌«فَصْلٌ»في نِصَابِ البَقَر

- ‌«فَصْلٌ»في نِصَابِ الغَنَم

- ‌«فَصْلٌ»في زكاةِ الخَلِيطَيْن

- ‌«فَصْلٌ»في زكاةِ الذَّهَبِ والفِضَّة

- ‌«فَصْلٌ»في زكاةِ الزُّرُوعِ والثِّمَار

- ‌«فَصْلٌ»في زكاة عروض التجارة

- ‌«فَصْلٌ»في زكاة المَعْدِن والرِّكاز

- ‌«فَصْلٌ»في زكاةِ الفِطْر

- ‌«فَصْلٌ»في مصارف الزكاة

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌«فَصْلٌ»في مفسداتِ الصوم

- ‌«فَصْلٌ»في الاعتكاف

- ‌كتابُ الحَج

- ‌«فَصْلٌ»في العمرة

- ‌«فَصْلٌ»في محظوراتِ الإحرام

- ‌«فَصْلٌ»في الدِّماءِ الواجبةِ في الإحرام

- ‌كتابُ البُيُوعِ وغيرِها مِنَ المُعامَلات

- ‌«فَصْلٌ»في الرِّبَا

- ‌«فَصْلٌ»في الخِيَار

- ‌«فَصْلٌ»في السَّلَم

- ‌«فَصْلٌ»في الرَّهْن

- ‌«فَصْلٌ»في الحَجْر

- ‌«فَصْلٌ»في الصُّلح

- ‌«فَصْلٌ»في الحَوَالَة

- ‌«فَصْلٌ»في الضَّمَان

- ‌«فَصْلٌ»في الكَفَالَة

- ‌«فَصْلٌ»في الشَّرِكَة

- ‌«فَصْلٌ»في الوَكَالَة

- ‌«فَصْلٌ»في الإقْرَار

- ‌«فَصْلٌ»في العارِيَّة

- ‌«فَصْلٌ»في الغَصْب

- ‌«فَصْلٌ»في الشُّفْعَة

- ‌«فَصْلٌ»في القِرَاض

- ‌«فَصْلٌ»في المُسَاقَاة

- ‌«فَصْلٌ»في الإجَارَة

- ‌«فَصْلٌ»في الجعَالَة

- ‌«فَصْلٌ»في المُزَارَعَة

- ‌«فَصْلٌ»في إحياءِ المَوَات

- ‌«فَصْلٌ»في الوقف

- ‌«فَصْلٌ»في الهِبَة

- ‌«فَصْلٌ»في اللقطة

- ‌«فَصْلٌ»في اللَّقِيط

- ‌«فَصْلٌ»في الوَدِيعَة

- ‌كتابُ الفَرَائِضِ والوَصَايَا

- ‌«فَصْلٌ»في الحَجْب

- ‌«فَصْلٌ»في أقربِ العَصَباتِ

- ‌«فَصْلٌ»في الفروضِ المذكورةِ في كتابِ اللهِ تعالى

- ‌تَتِمَّةٌ في تأصيلِ المسائلِ وتصحيحِها:

- ‌«فَصْلٌ»في الوَصِيَّة

- ‌كتابُ النِّكاحِ وما يَتعلَّقُ بِهِ مِنَ الأحكامِ والقَضَايَا

- ‌«فَصْلٌ»في ما يُشْتَرَطُ لصحَّةِ عَقدِ النِّكاح

- ‌«فَصْلٌ»فِي المُحَرَّمَاتِ مِن النِّسَاء

- ‌«فَصْلٌ»في تسميةِ المَهر

- ‌«فَصْلٌ»في الوَليمَة

- ‌«فَصْلٌ»في عِشْرَةِ النِّسَاء

- ‌«فَصْلٌ»فِي الخُلْع

- ‌«فَصْلٌ»في الطَّلَاق

- ‌«فَصْلٌ»فِي طلاقِ الحُرِّ والعَبْد

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الرَّجْعَة

- ‌«فَصْلٌ»في الإيلاء

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الظِّهار

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ اللِّعَان

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ العِدَّة

- ‌«فَصْلٌ»في أنواعِ المعتدَّةِ وأحكامِها

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الاسْتِبْرَاء

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الرَّضَاع

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ نفقةِ الأقاربِ

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ الجِنَايَات

- ‌«فَصْلٌ»في شَرَائِطِ وُجُوبِ القِصَاص

- ‌«فَصْلٌ»في بيانِ أحكامِ الدِّيَة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ القَسَامة

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌«فَصْلٌ»في حَدِّ القَذْفِ

- ‌«فَصْلٌ»في حَدِّ شُرْبِ الخَمْر

- ‌«فَصْلٌ»في حَدِّ السَّرِقَة

- ‌«فَصْلٌ»في حَدِّ الحِرابة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الصِّيَال

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ قتالِ أهلِ البَغْي

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الرِّدَّة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ تاركِ الصَّلاة

- ‌كتابُ الجِهَاد

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الغَنِيمَة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الفَيْء

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الجِزْيَة

- ‌كتابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِح

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الأطعمة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الأُضْحِيَة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ العَقِيقَة

- ‌كتابُ السَّبْقِ والرَّمي

- ‌كتابُ الأَيْمَانِ والنُّذُور

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ النَّذر

- ‌كتابُ الأقْضِيَةِ والشَّهَادَات

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ القِسْمَة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكام البَيِّنَة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الشَّهادات

- ‌«فَصْلٌ»في حقوقِ الله تعالى وحقوقِ الآدمين

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌«فَصْلٌ»في أحكامِ الوَلَاء

- ‌«فصل»في أحكام التَّدْبِير

- ‌«فَصْلٌ»في أحكام الكِتَابَة

- ‌«فَصْلٌ»في أحكام أمهات الأولاد

الفصل: ‌كتاب الصيد والذبائح

‌كتابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِح

الصيدُ في اللُّغةِ: مصدرُ صادَ يصيدُ صيدًا، والمرادُ به هنا المصيدُ، كما في قولِه تعالى:{هَذَا خَلْقُ اللهِ} [لقمان: 11]؛ أيْ: مخلوقُ اللهِ.

وفي الاصطلاحِ: كلُّ حيوانٍ حلالٍ متوحشٍ طبعًا، غيرِ مملوكٍ، ولا يمكنُ أخذُه إلا بحيلةٍ؛ إِمَّا لطيرانِه أو لعدْوِه.

والذبائحُ في اللغةِ: جمعُ ذَبيحةٍ، وهي بمعنى مذبوحةٍ، كقتيلةٍ بمعنى مقتولةٍ.

والذبحُ في الاصطلاحِ: إزهاقُ روحِ حيوانٍ مباحٍ بقطعٍ في حلْقِه أو لَبَّتِه.

ودليلُ مشروعيةِ الصيدِ قولُه تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]، والأمرُ بالاصطيادِ يقتضي حِلَّ المصيدِ.

ودليلُ مشروعيةِ الذبحِ قولُه تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]؛ أي: إلَّا ما أدركتموه حيًّا فذبحتموه، فإنه حلالٌ لكم

(1)

.

والتذكيةُ في اللُّغةِ: التَّطييبُ، مِن قولِهم: رائحةٌ ذكيَّةٌ؛ أي:

(1)

وسيأتي الكثيرُ منَ الأدلةِ خلالَ الشرحِ إن شاءَ اللهُ تعالى.

ص: 439

طيبةٌ، والحيوانُ البريُّ إذا ذُبحَ وأسيلَ دمُه طابَتْ رائحتُه.

وفي الاصطلاحِ: ما يُتوصلُ به إلى حلِّ أكلِ الحيوانِ البريِّ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَا قُدِرَ عَلَى ذَكَاتِهِ فَذَكَاتُهُ فِي حَلْقِهِ وَلَبَّتِهِ، وَمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى ذَكَاتِهِ فَذَكَاتُهُ عَقْرُهُ حَيْثُ قُدِرَ عَلَيْهِ» ، الحيوانُ البريُّ المأكولُ اللحمِ إذا كانَ مقدورًا عليه فذكاتُه تكونُ في حلْقِه، والحلقُ: هو أسفلُ مجمعِ اللَّحْيَينِ في أعلَى العُنقِ، وكذلك تكونُ في لَبَّتِه، واللَّبَّةُ: هي الثُّغرةُ التي أسفلُ العنقِ مما يلي الصدرَ، والتذكيةُ منَ الحلقِ يقالُ لها: الذبحُ، ومن اللَّبَّة يقالُ لها: النَّحرُ، يقولُ أبو هريرةَ رضي الله عنه بعثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بديلَ بنَ ورقاءَ الخزاعيَّ على جملٍ أورقَ يصيحُ في فجاجِ مِنى:«أَلَا إِنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ»

(1)

.

والسُّنَّةُ في الإبلِ النَّحرُ؛ لقولِه تعالى في الإبلِ: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2]، قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما:«صَلِّ لِرَبِّكَ ثُمَّ انْحَرِ الْبُدْنَ»

(2)

.

وقالَ تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]، قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما:«قيامًا على ثلاثِ قوائمَ معقولةً، يقولُ: بسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ، اللهُمَّ منكَ وإليكَ»

(3)

.

وقالَ جابرٌ رضي الله عنه: «كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه ينحَرون

(1)

رواه الدارقطني (4754).

(2)

رواه البيهقيُّ في «معرفة السنن والآثار» (18918).

(3)

رواه الحاكم (7571)، وصححه، وأقرَّه الذهبي.

ص: 440

البُدْنَ معقولةَ اليُسرى، قائمةً على ما بقيَ مِن قوائمِها»

(1)

.

والسُّنَّةُ في البقرِ والغنمِ الذبحُ؛ لقولِه تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، قال تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]؛ والمرادُ به الكبشُ الذي فُدي به إسماعيلُ عليه السلام، وذِبْحٌ بمعنى مَذْبُوحٍ، كرِزْقٍ بمعنى مَرْزُوقٍ.

والمعنى في نحرِ الإبلِ: أنَّه أسرعُ لخروجِ الرُّوحِ منها لطولِ عنقِها، وقياسُ هذا إلحاقُ كلِّ ما طالَ عنقُه بالإبلِ، كالنَّعامِ والإوَزِّ والبطِّ.

هذا -كما سبقَ- إذا كانَ الحيوانُ مقدورًا عليه، فإنْ لم يكنِ الحيوانُ مقدورًا عليه؛ لكونِه شاردًا مثلًا، أو متردِّيًا في بِئرٍ، أو غيرَ ذلك ممَّا لا يمكنُ معه الوصولُ إلى رقبتِه، فذكاتُه جَرحُه جُرحًا مزهقًا لروحِه في أيِّ موضعٍ من جسدِه، ودليلُ ذلك حديثُ رافعِ بنِ خَديجٍ رضي الله عنه قال: أصبْنا نهْبَ إبلٍ وغنمٍ، فندَّ منها بعيرٌ، فرماه رجلٌ بسهمٍ فحبسَه، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا»

(2)

.

قال الشافعيُّ رحمه الله: «والذَّكاةُ ذكاتان، فما قُدِرَ على ذكاتِه مما يحلُّ أكلُه فذكاتُه في اللَّبَّةِ والحلقِ، لا يحلُّ بغيرِهما؛ إنسيًّا كان أو

(1)

رواه أبو داود (1767).

(2)

رواه البخاري (5190)، ومسلم (1968)، وقولُه:«نهب» ؛ أي: غنيمةٌ، و «ندَّ»؛ أي: نفرَ وذهبَ على وجهِه شاردًا، و «أوابدُ»: جمعُ آبدةٍ، وهي التي قد تأبَّدَتْ؛ أي: توحَّشَتْ ونفرَتْ منَ الإنسِ.

ص: 441

وحشيًّا، وما لم يُقدَرْ عليه فذكاتُه أن يُنالَ بالسلاحِ حيثُ قُدرَ عليه؛ إنسيًّا كان أو وحشيًّا، فإن تردَّى بعيرٌ في نهرٍ أو بئرٍ فلم يقدرْ على مَنْحَرِهِ ولا مَذْبَحِهِ حيثُ يُذَكَّى فَطُعِنَ فيه بسكينٍ أو شيءٍ تجوزُ الذكاةُ به فأنهرَ الدمَ منه، ثُمَّ ماتَ أُكِلَ، وهكذا ذكاةُ ما لا يُقدرُ عليه. قد تردَّى بعيرٌ في بئرٍ فَطُعِنَ في شاكلتِه، فسُئلَ عنه ابنُ عمرَ رضي الله عنهما فأمرَ بأكلِه وأخذَ منه عَشِيرًا بدرهمينِ»

(1)

.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَكَمَالُ الذَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ:

1 -

قَطْعُ الْحُلْقُومِ»، وهو مجرى النَّفسِ.

2 -

«وَالْمَرِيءِ» ، وهو مجرَى الطعامِ والشرابِ.

3، 4 - «وَالْوَدَجَيْنِ» ، وهما العرقانِ الغليظانِ اللذان في صفحَتيِ العُنقِ.

وقطعُ هذه الأربعةِ كلِّها مستحبٌّ؛ لأنَّهُ أسهلُ وأسرعُ في خروجِ الرُّوحِ، فهو مِنَ الإحسانِ إلى الذبيحةِ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْمُجْزِئُ مِنْهَا شَيْئَانِ: قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ» ، المجزئُ في التذكيةِ منَ الأربعةِ السابقةِ شيئان، وهما: قطعُ الحلقومِ والمريءِ؛ لحديثِ رافعِ بنِ خديجٍ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ»

(2)

،

(1)

«الأم» (2/ 262)، و «شاكلتُه»؛ أي: خاصرتُه، و «العَشير»: العُشْرُ، ومَن رواه بضمِّ العينِ وفتحِ الشينِ وحملَه على التصغيرِ فقد أخطأَ؛ لأنَّ التصغيرَ للتقليلِ والنقصانِ عنِ المقدارِ، وإذا نقصَ من تمامِ العُشْرِ شيءٌ لم يكنْ عشرًا.

(2)

رواه البخاري (2356)، ومسلم (1968).

ص: 442

وقطعُ الحُلقومِ والمريءِ مُنْهِرٌ للدَّمِ، ومُزْهِقٌ لِلرُّوحِ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجُوزُ الاصْطِيَادُ بِكُلِّ جَارِحَةٍ مُعَلَّمَةٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَمِنْ جَوَارِحِ الطَّيْرِ» ، يحلُّ أكلُ المصيدِ بكلِّ جارحةٍ معلَّمةٍ؛ سواءٌ كانَتْ مِن سباعِ البهائمِ، كالكلبِ والفَهْدِ والنَّمِرِ، أو مِن سباعِ الطيرِ، كالبازيِّ والصقرِ والعُقَابِ، والجارحةُ مشتقةٌ منَ الجَرحِ، وهو الكسبُ، قالَ تعالى:{وهو الذي يتوفاكم بالليل وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} [الأنعام: 60]؛ أي: كسبْتُم، وسميَتْ سباعُ البهائمِ والطيورِبذلك؛ لأنَّها تكسِبُ الصيدَ لأصحابِها، وقيلَ: لأنَّها تجرحُ الصيدَ عندَ إمساكِه، فإذا أُرسلَتْ جارحةٌ معلَّمةٌ على صيدٍ فقتلَتْه بأنيابِها أو بمخالبِها أو بمنقارِها حلَّ أكلُه، ودليلُ ذلك قولُه تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4].

و {مُكَلِّبِينَ} ؛ أي: مُعلِّمينَ، وأصلُه منَ التكلِيبِ وهو تعليمُ الكلابِ الاصطيادَ، ثُمَّ كثرَ ذلك حتَّى قيلَ لكلِّ مَنْ علَّمَ شيئًا من الجوارحِ: مُكلِّبٌ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَشَرَائِطُ تَعْلِيمِهَا أَرْبَعَةٌ:

1 -

أَنْ تَكُونَ إِذَا أُرْسِلَتِ اسْتَرْسَلَتْ»؛ أي: إذا أُغريَتْ وهُيجَتْ على الصيدِ هاجَتْ وانبعثَتْ عليه.

2 -

«وَإِذَا زُجِرَتْ انْزَجَرَتْ» ؛ أي: إذا استُوقِفَتْ في ابتداءِ الأمرِ أو بعدَ عدْوِها وقفَتْ.

3 -

«وَإِذَا قَتَلَتْ صَيْدًا لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا» ؛ أي: إذا قتلَتِ

ص: 443

الجارحةُ صيدًا لم تأكلْ منه؛ سواءٌ قبلَ القتلِ أو بعدَه.

4 -

«وَأَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهَا» ؛ أي: هذه الشرائطُ الثلاثةُ السابقةُ، بحيثُ يُظَنُّ تأدُّبُ الجارحةِ، ولا ينضبطُ ذلك بعددٍ؛ بلِ بالرجوعِ إلى أهلِ الخبرةِ بالجوارحِ.

ودليلُ هذه الشروطِ قولُه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، فإن استرسلَ الجارحُ بنفسِه لم يحلَّ أكلُ صيدِه؛ لأنَّه إنَّما أمسكَ على نفسِه لا على صاحبِه، وقد قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعديِّ بنِ حاتمٍ رضي الله عنه:«إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ»

(1)

.

قال أبو شجاع رحمه الله: «فَإِنْ عُدِمَتْ إِحْدَى الشَّرَائِطِ لَمْ يَحِلَّ مَا أَخَذَتْهُ إِلَّا أَنْ يُدْرَكَ حَيًّا فَيُذَكَّى» ؛ لحديثِ أبي ثعلبةَ الخشنيِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ»

(2)

؛ أي: أدركتَه حيًّا وذبحتَه.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ مَا يَجْرَحُ إِلَّا بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ» ، تجوزُ الذكاةُ بكلِّ ما لَه حدٌّ يقطعُ؛ سواءٌ كانَ منَ الحديدِ، كالسيفِ، والسكينِ، والسهمِ، والرمحِ، أو منَ النحاسِ أو الذهبِ أو القصبِ أو الزجاجِ أو الحجرِ، فيحصلُ الذبحُ بجميعِها،

(1)

رواه البخاري (5169)، ومسلم (1929).

(2)

رواه البخاري (5177)، ومسلم (1930).

ص: 444

ويحلُّ الصيدُ المقتولُ بها؛ إلا السنَّ والظُفرَ وبقيةَ العظامِ، فإنَّه لا يحلُّ التذكيةُ بها؛ سواءٌ كانَ هذا العظمُ لآدميٍّ أو غيرِه، وسواءٌ كانَ منفصلًا أومتصلًا؛ لحديثِ رافعِ بنِ خَديجٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ»

(1)

.

والمعنى: لا تذبحوا بالعظامِ؛ لأنَّها تَنْجُسُ بالدَّمِ، وقد نُهيتُم عنْ تنجيسِ العظامِ في الاستنجاءِ؛ لكونِها زادَ إخوانِكم منَ الجنِّ، وكذلك لا تذبحوا بالظُّفرِ؛ لأنَّه مُدَى الحبشةِ، ولا يجوزُ التشبُّهُ بهم ولا بشعارِهم؛ لأنَّهم كفَّارٌ، وكانَ الأحباشُ يُدْمون مَذَابِحَ الشاةِ بأظفارِهم حتَّى تزهقَ النفسُ خنقًا وتعذيبًا، ويحلُّون هذا محلَّ الذَّكاةِ، فلذلك ضربَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المثلَ بهم، وقد سبقَ أنَّ ما قتلَتْه الجارحةُ بظُفرِها أو نابِها فهو حلالٌ.

وخرجَ بقولِ المصنِّفِ رحمه الله: «بِكُلِّ مَا يَجْرَحُ» ؛ ما لو قُتِلَ الصيدُ بِمُثَقَّلٍ، كأنْ رُمِيَ بحجرٍ، أو ضُرِبَ بسوطٍ أو عصًا أو نحوِ ذلك مما لا حدَّ له يجرحُ، ودليلُ ذلك حديثُ عُدَيِّ بنِ حاتمٍ رضي الله عنه عندَما سألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:«إني أرمي الصيدَ بالمعراضِ، فَأُصِيبُ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ»

(2)

.

(1)

رواه البخاري (2372)، ومسلم (1968)، والمُدَى: جمعُ مديةٍ، وهي السكينُ.

(2)

رواه البخاري (6962)، ومسلم (1929).

ص: 445

وفي روايةٍ: «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ»

(1)

.

والمِعْرَاضُ: عصًا غليظةٌ في طرفِها حديدةٌ يشبهُ السهمَ، يُرمَى به الصيدُ، فربَّما أصابَ الصيدَ بحدِّه، فخزقَ؛ أي: جرحَ وقتلَ، فيباحُ أكلُ الصيدِ، وربَّما أصابَ بعَرْضِه، فقتلَ بثِقَلِه، فيكونُ موقوذًا، والموقوذُ هو الذي يُضربُ حتّى يُوقذُ؛ أي: يشرفُ على الموتِ، ثُمَّ يُتركُ حتّى يموتُ، وهو مِنْ ضمنِ المحرماتِ التي ذكرَها اللهُ في قولِه تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3].

والمرادُ بالمنخنقةِ: الميِّتةُ خنقًا، والموقوذةِ: المقتولةُ ضربًا، والمترديةِ: السَّاقطةُ مِن أعلى إلى أسفلَ فماتَتْ، والنطيحةِ: المقتولةُ بنطحِ أُخرى لها، وما أكلَ السبعُ؛ أي: مِنه؛ إلا ما ذكَّيتُم؛ أي: أدركْتُم فيه الروحَ مِن هذه الأشياءِ فذبحتموه، وكذلك ما ذُبحَ على اسمِ النُّصبِ، وهي الأصنامُ، وأنْ تستقسموا بالأزلامِ؛ أي: تطلبوا القسمَ والحكمَ بالقِدَاحِ التي لا ريشَ لها ولا نصلَ، وكانَتْ سبعةً عندَ سادنِ الكعبةِ، وكانوا يحكِّمونها، فإنْ أمرَتْهم ائتمروا وإنْ نهَتْهم انتهوا، فهذا كلُّه فِسقٌ وخروجٌ عن طاعةِ اللهِ

(2)

.

(1)

رواه البخاري (1949)، ومسلم (1929).

(2)

«تفسير الجلالين» (ص: 136).

ص: 446

وفي حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مغَفلٍ رضي الله عنه قالَ: نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الخَذْفِ، وقالَ:«إِنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلَا يَنْكَأُ العَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ العَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ»

(1)

.

والخَذْفُ: هو الرميُ بالحصى، والمخذفةُ هي التي يوضعُ فيها الحجرُ ويُرمَى به، ويُقالُ له: المقلاعُ، قالَ الخليلُ بنُ أحمدَ رحمه الله:«المِخْذَفةُ من خشبٍ تَرمي بها بينَ إبهامِك والسَّبابةِ»

(2)

.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَتَحِلُّ ذَكَاةُ كُلِّ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ وَلَا تَحِلُّ ذَكَاةُ مَجُوسِيٍّ وَلَا وَثَنِيٍّ» ، تحلُّ ذَكَاةُ وصيدُ كلِّ مُسلمٍ، وكذلك كلُّ كتابيٍّ؛ لقولِه تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ} [المائدة: 5]، والمرادُ بالطعامِ هنا الذبائحُ، ولا فرقَ في الحلِّ بينَ ذبيحةِ الذكرِ والأنثى بالإجماعِ.

ولا تحلُّ ذكاةُ مجوسيٍّ ولا وثنيٍّ، ولا غيرِهما ممَّنْ لا كتابَ له، وكذلك المرتدُ؛ لأنَّه لا يُقرُّ على الدينِ الذي انتقلَ إليه، وذلك لمفهومِ الآيةِ السابقةِ، فقد دلَّت على أنَّه لا تحلُّ ذبيحةُ غيرِ المسلمِ والكتابيِّ، ولأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم:«كتبَ إلى مجوسِ هجرَ يعرضُ عليهم الإسلامَ، فمَنْ أسلمَ قبلَ منه، ومَن أبى ضُربَت عليهم الجزيةُ، على أنْ لا تؤكلَ لهم ذبيحةٌ، ولا تُنكحَ لهم امرأةٌ»

(3)

.

(1)

رواه البخاري (5162)، ومسلم (1954).

(2)

«العين» (4/ 245).

(3)

رواه ابن أبي شيبة (32645)، والبيهقي (18953)، وقال:«مرسلٌ وإجماعُ أكثرِ الأمَّةِ عليه» .

ص: 447

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ حَيًّا فَيُذَكَّى» ، الجنينُ الذي يوجدُ في بطنِ أمِّه المذكاةِ ميِّتًا يحلُّ أكلُه؛ لأنَّ ذكاتَها التي أحلَّتْها أحلَّتْهُ تبعًا لها، ولأنَّه جزءٌ مِن أجزائِها، وذكاتُها ذكاةٌ لجميعِ أجزائِها، ولأنَّه لو لم يحلَّ بذكاةِ أمِّه لحرُمَت ذكاتُها معَ ظهورِ الحملِ، كما لا تُقْتَلُ الحاملُ قَوَدًا، يقولُ أبو سعيدٍ الخدريُّ رضي الله عنه سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الجنينِ، فقالَ:«كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ»

(1)

.

أما إذا خرجَ الجنينُ بعدَ تذكيةِ أمِّه وبه حياةٌ مستقرةٌ، فإنَّه يُذكَّى تذكيةً مستقلةً.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ؛ إِلَّا الشَّعْرَ» ؛ أي: ما قُطعَ من حيٍّ فله حكمُ ميتتِه، وذلك مِن حيثُ الأكلُ وعدمُه، ومِن حيثُ الطهارةُ والنجاسةُ، فما قُطعَ منَ السمكِ يؤُكلُ، وهذا لحِلِّ ميتتِه -كما سيأتي إنْ شاءَ اللهُ تعالى- وما قُطعَ مِن إنسانٍ فهو طاهرٌ -أيضًا- لعمومِ قولِه تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، وما قُطعَ مما لا تحلُّ ميتتُه كسنامِ بعيرٍ، أو أليةِ شاةٍ، أو نحوِ ذلك، فحكمُه حكمُ الميتةِ؛ أي: أنَّه نجسٌ، لا يجوزُ أكلُه ولا الانتفاعُ به، ودليلُ ذلك حديثُ أبي واقدٍ الليثيِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قَدِمَ المدينةَ وجدَ الناسَ يَجُبُّونَ أسْنِمَةَ الإبلِ، ويقطعون أَلَيَاتِ الغنمِ، فقالَ صلى الله عليه وسلم:«مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ»

(2)

.

(1)

رواه أحمد (11278)، وأبو داود (2827)، وابن ماجه (3199).

(2)

رواه أحمد (21953)، وأبو داود (2858)، والترمذي (1480)، والحاكم (7150)، وصححه، وأقره الذهبي، وقولُه:«يَجُبُّونَ» ؛ أي: يقطعون.

ص: 448