الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«فَصْلٌ»
في أحكامِ النَّذر
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالنَّذْرُ يَلْزَمُ فِي الْمُجَازَاةِ عَلَى مُبَاحٍ وَطَاعَةٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أَتَصَدَّقَ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ» ، يصحُّ النذرُ وتترتبُ عليه آثارُه ويلزمُ الوفاءُ به إنْ كانَ بالتزامِ فعلِ طاعةٍ مكافأةً على حصولِ أمرٍ مباحٍ محبوبٍ للنفسِ طبعًا؛ من إصابةِ خيرٍ أو دفعِ شرٍّ، كأنْ يقولَ: إنْ شفى اللهُ مريضي فللهِ عليَّ أنْ أصلِّيَ أو أصومَ أو أتصدقَ، فإنْ شفى اللهُ مريضَه لزمَه من ذلك ما يقعُ عليه الاسمُ من صلاةٍ، وأقلُّها ركعتان، أو صومٌ وأقلُّه يومٌ، أو الصدقةُ وهي أقلُّ شيءٍ مما يُتموَّلُ، وهذا كلُّه إذا أَطلقَ ولم يعينْ، فإنْ عيَّنَ عددًا أومقدارًا لزمَه ما عيَّنَهُ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ قَتَلْتُ فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا» ، لا ينعقدُ النَّذرُ في معصيةِ اللهِ، ولا يترتبُ عليه شيءٌ؛ إلا إنْ نوى به اليمينَ فتلزمُه كفارةُ يمينٍ، ودليلُ ذلك حديثُ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلَا يَعْصِهِ»
(1)
.
وحديثُ عمرانَ بنِ حصينٍ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ»
(2)
.
(1)
رواه البخاري (6318).
(2)
رواه مسلم (1641).
والمرادُ أنَّه لا ينعقدُ ولا يترتبُ عليه شيءٌ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى تَرْكِ مُبَاحٍ، كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ لَحْمًا، وَلَا أَشْرَبُ لَبَنًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ» ، لا ينعقدُ النذرُ على تركِ مُباحٍ، كما لو نَذَرَ أنْ لا يأكلَ لحمًا ولا يشربَ لبنًا، ومثلُ التَّركِ الفعلُ، كما لو نذرَ أنْ يأكلَ لحمًا أو يشربَ لبنًا، ودليلُ ذلك حديثُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: بينَما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ، إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسألَ عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ، نذرَ أن يقومَ ولا يقعدَ، ولا يستظلَّ ولا يتكلمَ، ويصومَ، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»
(1)
.
والأمرُ بإتمامِ الصومِ لأنَّه طاعةٌ، ويلزمُ الوفاءُ بها إذا نذرَها.
واللهُ تعالى أعلم.
(1)
رواه البُخاري (6326).