الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللهَ غَفُورٌ رَحَيمٌ} [المائدة: 34]؛ ولكنَّه يُطالَبُ بالحقوقِ المرتَّبةِ على تصرُّفِه كما لو لم يكنْ قاطعَ طريقٍ، فإن كانَ قد قَتَلَ سَقَطَ عنه انحتامُ القتلِ وللوليِّ أن يَقْتَصَّ أو يأخذَ الدِّيةَ أو يعفوَ وإن كانَ قد قَتَلَ وأخذَ المالَ سَقَطَ الصَّلْبُ وانحتامُ القتلِ وبقيَ القِصاصُ أو الدِّيةُ أو العفوُ وضمانُ المالِ، وإن كانَ قد أخذَ المالَ سَقَطَ قطعُ الرِّجلِ، واليدِ -أيضًا- على الصَّحيحِ؛ لأنَّ قَطْعَهما عقوبةٌ واحدةٌ، وإذا سَقَطَ بعضُها وهو قطعُ الرِّجلِ للمحارَبةِ سَقَطَ الباقي، وهو قطعُ اليدِ، ولَزِمَه ضمانُ المالِ.
«فَصْلٌ»
في أحكامِ الصِّيَال
الصِّيالُ في اللُّغةِ: مصدرُ صالَ يَصُولُ، إذا قَدِمَ بجُرْأةٍ وقوَّةٍ، وصالَ عليه، أي: سطا عليه ليَقْهَرَه، والمُصاوَلَةُ: المواثبةُ، والفَحْلانِ يَتَصاوَلانِ؛ أيْ: يتواثَبانِ.
وفي الاصطلاحِ: الاستطالةُ والوثوبُ على الغيرِ بدونِ حقٍّ.
والصِّيالُ مُحَرَّمٌ في الإسلامِ؛ لأنَّه اعتداءٌ على الغيرِ، قال تعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَنْ قُصِدَ بِأَذًى فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ
(1)
رواه مسلم (2564).
أَوْ حَرِيمِهِ فَقَاتَلَ عَنْ ذَلِكَ وَقَتَلَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ»، من قُصِدَ بأذًى في نفْسِه أو مالِه أو حريمِه بأن صالَ عليه شخصٌ يُريدُ قتلَه، أو أخْذَ مالِه، أو الاعتداءَ على حريمِه فقاتَلَه عن نفْسِه أو مالِه أو حريمِه، وقَتَلَ الصَّائلَ؛ فلا ضمانَ عليه بقِصاصٍ ولا ديةٍ ولا كفَّارةٍ؛ لحديثِ سعيدِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»
(1)
.
وقال أبو هريرةَ رضي الله عنه جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إن جاءَ رجلٌ يريدُ أخذَ مالي؟ قالَ:«فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» ، قالَ: أرأيتَ إن قاتَلَني؟ قالَ: «قَاتِلْهُ» ، قالَ: أرأيتَ إن قَتَلَني؟ قالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» ، قالَ: أرأيتَ إنْ قتلتُه؟ قالَ: «هُوَ فِي النَّارِ»
(2)
.
وقال عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رضي الله عنهما: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»
(3)
.
(1)
رواه أحمد (1652)، والترمذي (1421)، والنسائي (4095)، وقال الترمذي:«هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ» ؛ أي: عندَ دفعِه من يريدُ أخذَ مالِه ظلمًا، «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ»؛ أي: في نصرةِ دينِ اللهِ والذَّبِّ عنه، «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ»؛ أي: في الدَّفعِ عن نفْسِه، «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ» ؛ أيْ في الدَّفعِ عن عِرْضِ أهلِه سواءٌ كانت زوجتَه أو قريبتَه سواءٌ كانت أمَّه أو أختَه أو ابنتَه ممَّن يَلْحَقُه العارُ بسببِهنَّ، «فَهُوَ شَهِيدٌ» ؛ لأنَّ المؤمِنَ محترمٌ ذاتًا وعِرضًا ومالًا، فإذا أُريدَ منه شيءٌ من ذلك جازَ له الدَّفْعُ عنه، فإذا قُتِلَ بسببِه فهو شهيدٌ.
(2)
رواه مسلم (140).
(3)
رواه البخاري (2348)، ومسلم (141).
ويُدْفَعُ الصَّائلُ بالأخفِّ فالأخفِّ، سواءٌ كانَ الصَّائلُ مسْلمًا أو ذِمِّيًّا أو مجنونًا أو بهيمةً، فإن أَمْكَنَ دفعُه بالكلامِ دَفَعَه بالكلامِ، وإن أَمْكَنَ دفعُه بالضَّربِ دفَعَه بالضَّربِ، فإن لم يَنْدَفِعْ إلَّا بالقتلِ قَتَلَه ولا شيءَ عليه، وإذا لم يستطعِ الدَّفعَ عن نفْسِه وقُتِلَ كانَ شهيدًا.
وكذلك المدافَعةُ عن نفسِ غيرِه ومالِه وعِرْضِه؛ كالمدافَعةِ عن نفسِهِ ومالِه وعِرْضِه؛ لحديثِ سهلِ بنِ حنيفٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ -وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ- أَذَلَّهُ اللهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَعَلَى رَاكِبِ الدَّابَّةِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ دَابَّتُهُ» ، على راكبِ الدَّابَّةِ وسائِقها وقائدِها ضمانُ ما أَتْلَفَتْهُ دابَّتُه؛ سواءٌ كانَ مالكًا، أو مستأجِرًا، أو مستعِيرًا، وسواءٌ أَتْلَفَتْه الدَّابَّةُ بيدِها أو رِجْلِها أو غيرِ ذلك، وسواءٌ كانَ ما أَتْلَفَتْه نفْسًا أو مالًا؛ لأنَّ فِعْلَها منسوبٌ إليه.
فإن كانت الدَّابَّةُ وَحْدَها فأَتْلَفَتْ زرعًا أو غيرَه نهارًا لم يَضْمَنْ صاحبُها، وإن كانَ ليلًا ضَمِنَ؛ لحديثِ حَرَامِ بنِ مُحَيِّصَةَ الأنصاريِّ أنَّ البراءَ بنَ عازبٍ رضي الله عنه كانت له ناقةٌ ضاريةٌ، فَدَخَلَتْ حائطًا فأَفْسَدَتْ فيه، فكُلِّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيها: «فقضى أنَّ حِفْظَ الحوائطِ
(1)
رواه أحمد (16028)، والطَّبرانيُّ في «المعجم الكبير» (5554)، وقال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزَّوائد» (7/ 267):«رواه أحمد والطَّبرانيُّ، وفيه ابنُ لَهيعة، وهو حسنُ الحديثِ وفيه ضَعْفٌ، وبقيَّةُ رجالِه ثقاتٌ» .