الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخمصِ الذي هو ضمورُ البطنِ، والمتجانفُ: المنحرفُ المائلُ، والإثمُ: أنْ يتعَدَّى عندَ الاضطرارِ فيأكلَ فوقَ الشِّبَعِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَنَا مَيْتَتَانِ حَلَالَانِ: السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَدَمَانِ حَلَالَانِ: الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» ؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما قالَ: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»
(1)
.
«فَصْلٌ»
في أحكامِ الأُضْحِيَة
الأضحيةُ في اللغةِ: اسمٌ لِمَا يُضَحَّى به؛ أي: يُذبَحُ أيَّامَ عيدِ الأضحى، وقيلَ: مأخوذةٌ مَن ضحوةِ النهارِ، وهي ما بعدَ طلوعِ الشمسِ، سميَتْ بذلك لأنَّ أولَ زمانِ فعلِها هو وقتُ الضُّحى.
وفي الاصطلاحِ: ما يُذبَحُ من بهيمةِ الأنعامِ في يومِ الأضحى إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ تقرُّبًا إلى اللهِ تعالى.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ» ، ودليلُ ذلك قولُه تعالى:{فَصَل لربكَ وَانْحرْ} [الكوثر: 2]؛ قال جماعةٌ منَ المفسرين: المرادُ صلاةُ العيدِ، ونحرُ الأضحيةِ
(2)
.
(1)
رواه البيهقي (18776)، وصححه، وكذا الحافظُ ابنُ حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 161)، وقالَ:«وقولُ الصحابيِّ: أُحلَّ لنا، وحُرِّمَ علينا كذا، مثلُ قولِه: أُمِرنا بكذا، ونُهينا عن كذا، فيحصلُ الاستدلالُ بهذه الروايةِ؛ لأنَّها في معنى المرفوعِ» .
(2)
«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (26/ 573)، وقالَ جمعٌ آخرٌ: إنَّ المقصودَ صلِّ العيدَ، وانحرِ الهديَ.
وقال أنسٌ رضي الله عنه: «ضحَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبشيْنِ أمْلَحَيْنِ أقرَنينِ، ذَبَحَهما بِيَدِهِ، وَسَمى وَكَبرَ، وَوَضعَ رجْلَهُ عَلى صِفاحِهِمَا»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيُجْزِئُ فِيهَا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيُّ مِنَ الْمَعْزِ، وَالثَّنِيُّ مِنَ الْإِبِلِ، وَالثَّنِيُّ مِنَ الْبَقَرِ» ، ويجزئُ في الأضحيةِ الجذعُ منَ الضأنِ، وهو ما له سَنَةٌ وطعنَ في الثانيةِ، والثَّنيُّ منَ المعزِ، وهو ما له سنتان وطعَنَ في الثالثةِ، والثَّنيُّ منَ الإبلِ، وهو ما له خمسُ سنينَ وطعنَ في السادسةِ، والثَّنيُّ منَ البقرِ، وهو ما له سنتانِ وطعنَ في الثالثةِ، وتجزئُ التضحيةُ في هذه الأنواعِ بالذكرِ والأنثى بالإجماعِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ» ، المرادُ بالبُدنةِ: واحدةُ الإبلِ، وتقعُ على الذكرِ والأنثى، وهي تجزئُ عن سبعةٍ، وكذلك البقرةُ تجزئُ عن سبعةٍ، ودليلُ ذلك حديثُ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما قالَ:«نحرْنا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبيةِ البدنةَ عنْ سبعةٍ، والبقرةَ عنْ سبعةٍ»
(2)
.
وحديثُ أمِّ بلالٍ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ»
(3)
.
(1)
رواه البُخاري (5245)، ومسلم (1966)، وقولُه:«ضحَّى» ؛ أي: ذبحَ الأضحيةَ، و «أملحَين» ؛ مُثنَّى أملحَ، وهو الذي بياضُه أكثرُ مِن سوادِه، و «صفاحهما» ؛ جمعُ صفحةٍ، وهي جانبُ العُنقِ.
(2)
رواه مسلم (1318).
(3)
رواه أحمد (27117)، والطبراني في «المعجم الكبير» (397)، وقال الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» (4/ 14):«رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات» .
وقالَ أبو أيوبَ الأنصاريُّ رضي الله عنه: «كنَّا نُضحِّي بالشاةِ الواحدةِ، يذبحُها الرجلُ عنه وعن أهلِ بيتِه»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَأَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا:
1 -
الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا»؛ أي: التي لا تُبصرُ بإحدى عينيها، وقيدَ العورَ بالبيِّنِ؛ لأنَّ العورَ بياضٌ يغطي الناظرَ، وإذا كان كذلك فتارةً يكونُ يسيرًا فلا يضرُّ.
2 -
«وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا» ، وذلك بأنْ يشتدَّ عرَجُها؛ بحيثُ تسبقُها الماشيةُ إلى المرعى وتتخلفُ عنِ القطيعِ، فلو كانَ عرجُها يسيرًا بحيثُ لا تتخلفُ به عنِ الماشيةِ لم يضرَّ.
3 -
«وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا» ، وذلك بأن يظهرَ بسببِه هزالُها وفسادُ لحمِها، فلو كانَ مرضُها يسيرًا لم يضرَّ.
4 -
«وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي ذَهَبَ مُخُّهَا مِنَ الْهُزَالِ» ، وهي التي ذهبَ لحمُها السمينُ بسببِ ما حصلَ لها من الهُزالِ.
ودليلُ ذلك حديثُ البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أَرْبَعٌ لَا يُضَحَّى بِهِنَّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي»
(2)
.
(1)
رواه مالك في «الموطأ» (1396).
(2)
رواه أحمد (18697)، والترمذي (1497)، والنسائي (4371)، وابن حبَّان في «صحيحه» (2653).
ومعنى «لَا تُنْقِي» ؛ أي: ليسَ لها نِقْيٌ وهو الشحمُ، وأصلُه مخُّ العظمِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيُجْزِئُ الْخَصِيُّ وَالْمَكْسُورُ الْقَرْنِ» ، يجزئُ الخصيُّ في الأضحيةِ، وهو المقطوعُ الخصيتين، ودليلُ ذلك ما جاءَ عنْ أبي هريرةَ وعائشةَ رضي الله عنهما قالا:«كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا ضحَّى اشترى كبشينِ عظيمينِ سمينينِ أقرنينِ أملحينِ موجُوأينِ، فيذبحُ أحدَهما عن أمتِه ممَّنْ أقرَّ بالتوحيدِ وشهدَ له بالبلاغِ، ويذبحُ الآخرَ عن محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ»
(1)
.
وكذلك يجزئُ في الأضحيةِ المكسورُ القرنِ ما لم يُعَبِ اللحمُ، وإنْ دَمِيَ بالكسرِ؛ لأنَّ القرنَ لا يتعلقُ به كبيرُ غرضٍ، ولذلك تجزئُ الأضحيةُ بفاقدةِ القرونِ خِلْقَةً، وهي المسماةُ بالجلحاءِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا تُجْزِئُ الْمَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ» ، لا تجزئُ المقطوعةُ الأذنِ في الأضحيةِ، وكذلك المقطوعةُ الذنَبِ؛ سواءٌ كانَ المقطوعُ كُلًّا أو بعضًا، وذلك لنقصِ اللحمِ وذَهابِ جزءٍ مأكولٍ منها.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَوَقْتُ الذَّبْحِ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ» ، وقتُ ذبْحِ الأضحيةِ
(1)
رواه أحمد (25885)، وأبو داود (2795)، وابن ماجه (3122)، و «موجوأين» ؛ تثنيةُ موجوءٍ، اسمُ مفعولٍ من وَجأَ؛ أي: منزوعينِ، قد نُزِعَ عرقُ الأنثيين منهما، وذلك أسمَنُ لهما.
يبدأُ من دخولِ وقتِ صلاةِ العيدِ، وهو طلوعُ الشَّمسِ، ومُضِيُّ وقتٍ يسعُ الصلاةَ والخطبتين، والأفضلُ فعلُها بعدَ الفراغِ منَ الصلاةِ وسماعِ الخطبتين؛ لحديثِ البراءِ بنِ عازبِ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:«إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ»
(1)
.
وحديثِ جُبَيرِ بنِ مُطعمٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَفِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الذَّبْحِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ:
1 -
التَّسْمِيَةُ»؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ»
(3)
.
2 -
«وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أعلى ذِكرَه صلى الله عليه وسلم، فلا يُذكرُ سبحانه وتعالى إلا ويُذكرُ معَه، يقولُ الشافعيُّ رحمه الله: «وأحبُّ له أنْ يُكثِرَ الصلاةَ عليه، فقد صلَّى اللهُ عليه في كلِّ
(1)
رواه البُخاري (5225)، ومسلم (1961)، وقولُه صلى الله عليه وسلم:«يَوْمِنَا هَذَا» ؛ أي: يومِ العاشرِ من ذي الحجةِ، وهو يومُ عيدِ الأضحى.
(2)
رواه أحمد (16797)، وابن حبَّان (4097)؛ والمرادُ بأنَّ «كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»؛ أي: وقتٌ للذبحِ، وهي: الحاديَ عشرَ، والثانيَ عشرَ، والثالثَ عشرَمن شهرِ ذي الحجةِ.
(3)
رواه عبدُ القادر الرهاويّ في «الأربعين» ، وهو حديثٌ حسنٌ؛ كما قال النوويُّ في «الأذكار» (ص: 112).
الحالاتِ؛ لأنَّ ذكرَ اللهِ عز وجل، والصلاةَ عليه إيمانٌ باللهِ تعالى، وعبادةٌ له يُؤجرُ عليها -إن شاءَ اللهُ تعالى- مَنْ قالها»
(1)
.
3 -
«وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ» ؛ لما روى نافعٌ عنِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: «أنَّه كانَ يستحبُ أنْ يستقبلَ القبلةَ إذا ذبحَ»
(2)
.
4 -
«وَالتَّكْبِيرُ» ؛ لحديثِ أنسٍ رضي الله عنه: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ضحَّى بِكَبشيْنِ أمْلَحَيْنِ أقرَنينِ، ذَبَحَهما بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبرَ، وَوَضعَ رجْلَهُ عَلى صِفاحِهِمَا»
(3)
.
5 -
«وَالدُّعَاءُ بِالْقَبُولِ» ؛ لحديثِ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بكبشٍ أقرنَ، يطأُ في سوادٍ، ويبركُ في سوادٍ، وينظرُ في سوادٍ، فأُتِي به ليضحيَ به، فقالَ لها:«يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ» ، ثُمَّ قال:«اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ» ، ففعلَتْ: ثُمَّ أخذَها، وأخذَ الكبشَ فأضجعَه، ثُمَّ ذبحَه، ثُمَّ قال:«بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ»
(4)
.
(1)
«الأم» (2/ 263).
(2)
رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (18955)، وقال:«ورويَ فيه حديثٌ مرفوعٌ عن غالبٍ الجزريِّ، عن عطاءَ، عن عائشةَ رضي الله عنها، وإسنادُه ضعيفٌ» .
(3)
رواه البخاري (5245)، ومسلم (1966)، وقوله:«ضحَّى» : أي: ذبحَ الأضحيةَ، و «أملحين»: مُثنَّى أملحَ، هو الذي بياضُه أكثرُ من سوادِه، و «صفاحهما»: جمعُ صفحةٍ، وهي جانبُ العنقِ.
(4)
رواه مسلم (1967)، ومعنى:«يطأُ في سوادٍ، ويبركُ في سوادٍ، وينظرُ في سوادٍ» ؛ أي: أنَّ قوائمَه، وبطنَه، وما حولَ عينيه؛ أسْودُ اللونِ، و «الْمُدْيَة»؛ أي: السكينُ، و «اشْحَذِيهَا»؛ أي: حدديها.
وقالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: «إذا ذبحْتَ فقلْ: بسمِ اللهِ، اللهُمَّ منك ولك، اللهُمَّ تقبلْ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يَأْكُلُ الْمُضَحِّي شَيْئًا مِنَ الْأُضْحِيَةِ الْمَنْذُورَةِ» ، وهي التي أوجبَها على نفسِه بشرطٍ؛ كأنْ يقولُ: للهِ عليَّ إنْ شفى اللهُ مريضي جعلتُ هذهِ الشاةَ أضحيةً، فيحرمُ عليه الأكلُ منها، ومثلُ الأكلِ الانتفاعُ، فلا ينتفعُ بجلدِها -مثلًا-، بل عليه أنْ يتصدقَ به، فلو أكلَ شيئًا منها، أو انتفعَ به ضمِنَه بالبدلِ أو بالقيمةِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَأْكُلُ مِنَ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا» ، يُسَنُّ الأكلُ منَ الأضحيةِ المتطوعِ بها؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا ضحَّى أحدُكم فلْيأكلْ مِن أضحيتِه»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يَبِيعُ مِنَ الْأُضْحِيَةِ» ، لا يجوزُ بيعُ أيِّ جزءٍ منَ الأضحيةِ؛ سواءٌ كانَ لحمًا أو جلدًا؛ لأنَّها قربةٌ إلى اللهِ تعالى، فلا يجوزُ له إلا ما رخَّصَ الشرعُ له فيه وهو الأكلُ، وليسَ له إعطاءُ الجلدِ أو بعضِ اللحمِ للجزَّارِ مقابلَ الأجرةِ، بل يعطيه أجرتَه كاملةً، وإنْ أهداه شيئًا بعدَ ذلك جازَ، ودليلُ ذلك حديثُ عليٍّ رضي الله عنه قالَ: أمرني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أقومَ على بُدْنِه، وأنْ أتصدقَ بلحمِها وجلودِها وأجِلَّتِها، وأن لا أعطيَ
(1)
رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (18950).
(2)
رواه أحمد (9067)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 25):«رواه أحمد، ورجالُه رجالُ الصحيح» .
الجزارَ منها، قالَ:«نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيُطْعِمُ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ» ، يجبُ التصدقُ ببعضِ الأضحيةِ على الفقراءِ والمساكينِ؛ لقولِه تعالى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36].
والبُدْنُ: هي الإبلُ، وقيسَ عليها الأضاحي، ومعنى صوافَّ: قائمةً، معقولةَ اليدِ اليسرى، ومعنى وجبَت جنوبُها: سقطَتْ على الأرضِ بعدَ النحرِ وسكنَتْ.
وفي حديثِ سلمةَ بنِ الأكوعِ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» ، فلمَّا كانَ العامُ المقبلُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، نفعلُ كما فعلْنا عامَ الماضي؟ قال:«كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا»
(2)
.
ويُسنُّ له أنْ يأكلَ الثلثَ، ويُهديَ الثلثَ، ويتصدقَ بالثلثِ، قالَ أبو بكرٍ الحسينيُّرحمه الله:«يأكلُ الثلثَ، ويُهدي الثلثَ، ويتصدقُ بالثلثِ؛ لقولِه تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]، فجعلَها لثلاثةٍ، والقانعُ: الجالسُ في بيتِه، والمعترُّ: السائلُ»
(3)
.
(1)
رواه مسلم (1317)، وقوله:«أجلتها» : جمعُ جُلٍّ، بضم الجيم وفتحِها، وهو ما تلبسُه الدابةُ لِتُصَانَ بِهِ.
(2)
رواه البخاري (5249)، ومسلم (1947).
(3)
«كفاية الأخيار» (ص: 533).